حزب التحرير حزب مبدئي لا يتوافق أبدًا مع أنظمة الجور والظلم في بلاد المسلمين
الكاتب والباحث الأستاذ مصطفى زهران يبحث ويحلل في الأسباب التي ألجمت السلطات التركية عن اتخاذ قرار بمنع حزب التحرير من عقد مؤتمره في اسطنبول في ذكرى هدم الخلافة الإسلامية في الثالث من آذار/مارس الماضي تحت عنوان \”النموذج الرئاسي الديمقراطي أم الخلافة الراشدة؟\”، كما أنه متفاجئ من استئناف الحزب إصدار العدد الخامس عشر من جريدته السياسية الأسبوعية \”الراية\” بعد انقطاع دام لعقود بأمر وزير الداخلية الأردني، بأمر من كلوب باشا قائد الجيش الأردني آنذاك، بمنع صدورها بعد عام واحد من تأسيس الحزب في تموز/يوليو 1954م, والتي كانت تناقش الأوضاع السياسية في المنطقة العربية وتعالجها من وجهة النظر التحريرية.
\n
وفي حين لم يقدم لنا الباحث سببًا واحدًا لعدم قيام النظام التركي بإجراء ما لمنع انعقاد المؤتمر في اسطنبول، إلا أنه ادعى أن النظام الأردني غض الطرف عن إصدار الجريدة لأنها المرة الأولى التي تلتقي فيها أهداف الحزب والسلطات الأردنية منذ ظهور الحزب وتفاعلاته مع المناخ الداخلي هناك. إذ يتصور الكاتب أن مقارنة أمير الحزب في كلمته المسجلة في مؤتمر اسطنبول بين نموذجي الخلافة لدى داعش وحزب التحرير واعتباره لنموذج الخلافة لدى تنظيم الدولة مؤامرة كبرى صيغت بأيدي الكفار حتى تكون بالشكل القائم المتشح بالدماء، يتصور الكاتب أنها رسالة مهمة ترى السلطات الأردنية فيها دلالةً كبيرةً للوقوف أمام زحف نموذج الخلافة الداعشي.
\n
ولا أدري أين لاحظ الكاتب \”الإرباك الذي أصاب النقطة الرئيسة والهدف الأسمى الذي بنى عليها الحزب ومؤسسه تقي الدين النبهاني رحمه الله منذ أواسط القرن الفائت، ما يمكن تسميته بـ\”مأزق الخلافة التحريرية\”، بعد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام وإعلانه قيام الخلافة وتنصيب أبي بكر البغدادي خليفةً للمسلمين ومطالبته المسلمين بمبايعته. فالحزب منذ اللحظة الأولى أدرك واقع تلك الخلافة المزعومة التي لم يغير الإعلان عنها واقع تنظيم الدولة فهو تنظيم مسلح كباقي التنظيمات وظل تنظيمًا مسلحًا بعد ذلك الإعلان لأنه كما عبر عنه الحزب مجرد لغو. ثم إن الخلافة التي يسعى لإقامتها حزب التحرير هي خلافة الإسلام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة وليست خلافة تحريرية كما وصفها الكاتب، وهي ليست الهدف الأسمى كما يدعي الكاتب، بل إن الهدف الأسمى للحزب هو استئناف الحياة الإسلامية التي توقفت بهدم الخلافة الإسلامية سنة 1924م، ولا يتم ذلك إلا بإقامة الخلافة الإسلامية مرةً ثانيةً وهي وعد الله وبشرى نبيه صلى الله عليه وسلم .
\n
ولكن ما لا يستطيع أن يدركه الكاتب أن حزب التحرير حزب مبدئي لا يمكن أن يتوافق أبدًا مع أنظمة الجور والطغيان والظلم في بلاد المسلمين، وأن ما اعتبره ترويضاً للتحريريين ليصطفوا بجوار الأنظمة الأمنية والسياسية العربية والإسلامية هو غاية للأنظمة تلك ولكنها صعبة بل مستحيلة المنال، وما كان لحزب التحرير أن يروَّض وهو الحزب الوحيد الذي ظل ثابتًا على مبادئه منذ نشأته وحتى الآن ولم يداهن ولم يُداجِ من بيدهم الأمور، بل ظل صامدًا صابرًا صلدًا كالصخر. والسلطات الأردنية تدرك تمامًا أن تصديها بشكل قمعي واستئصالي للحزب لا يمكن أن يكون أبدًا في صالحها، وأنها مضطرة للتعامل مع الأمر الواقع الذي بدأ يفرض نفسه؛ وهو أن حزب التحرير حزب عالمي متجذر في الواقع الأردني وفي غيره من بلاد المسلمين، وأن ما يحمله الحزب من أفكار قوية تقوم على العقيدة الإسلامية وتنبثق منها لا يستطيع النظام الأردني ولا غيره من الأنظمة مواجهته، فمعركتهم مع الحزب في مجال الأفكار خاسرة وفاشلة. كما أن الحراك الثوري في الأمة وهبة شباب الأمة ضد الظلم والطغيان جعلت النظام الأردني يفكر ألف مرة قبل قيامه بأي خطوة قمعية تجاه شباب الحزب وأبناء الأمة.
\n
وبرغم ذلك فإن النظام الأردني ما زال يقوم باعتقالات تعسفية لبعض شباب الحزب، فقد اعتقلت السلطات الأردنية الأخ مدحت مرار بعد عودته من السودان ومشاركته في مؤتمر الحزب هناك طوق النجاة وحكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر، كما قامت السلطات بالاحتيال والكذب على عضو الحزب هناك محمد يوسف السباتين بحجة تسليمه رخصة القيادة ومن ثم قامت باعتقالة ووضعه في الحبس الانفرادي.
\n
لقد فات الباحث الكريم أن الأنظمة الحالية ما هي إلا بيادق على رقعة الشطرنج لا تتحرك من تلقاء نفسها، بل هناك من يحركها من دون ستار، فإذا جاءتها الأوامر بالتحرك تحركت، وإن أنظمة الغرب الكافر التي تدين لها دول المنطقة بالولاء والتبعية، تدرك تماما أن خير وسيلة لمحاربة حزب التحرير هي التعتيم على الحزب وأنشطته ومؤتمراته وجريدته ومسيراته ووقفاته، وهذا ما نراه من تجاهل وسائل الإعلام المحلية والعالمية لأنشطة الحزب المختلفة، فقد حاولت مثلا السلطات اللبنانية منع المؤتمر الإعلامي العالمي للحزب في بيروت، بل أكثر من ذلك حاولت سحب العلم والخبر الذي حصل عليه الحزب، وقامت بنشر قوات الجيش والشرطة حول مكان انعقاد المؤتمر، وكانت تلك الإجراءات وما تبعها من أخبار وتقارير تتعلق بالمؤتمر بمثابة نجاح للحزب ومؤتمره، فما كان من القائمين على النظام إلا أن يتعلموا الدرس جيدا ليتجاهلوا بعد ذلك مؤتمرات الحزب التالية وأنشطته، بل وإعطاء أوامر لوسائل الإعلام المحلية بتجاهل أنشطة الحزب وفعالياته.
\n
فمنع مؤتمر لحزب التحرير أو مصادرة جريدة له يجعل الحزب ودعوته موضع حديث الناس وتساؤلاتهم، وهذا ما لا تريده الأنظمة الحالية التي تفرض حالة من التعتيم الشديد على الحزب ودعوته، خاصةً وأنهم يعرفون جيدًا أن الحزب لن يسكت على هكذا تصرف وأنه سيشن حملةً شنعاء على تلك الأنظمة ويكشفها ويعريها أمام شعوبها من خلال مكاتبه الإعلامية وناطقيه الرسميين، ونشراته التي لا يتردد شبابه ولو للحظة في توزيعها على أوسع نطاق وفي أشد المناطق حساسية.
\n
ولا أدري ما الذي تغيّر في نظامي الحكم التركي والأردني حتى يتساءل الكاتب بل يجعله السؤال الأبرز والأهم، فهو يسأل هل لا زالت تلك الدول – التركية والأردنية – في منظور الحزب كافرةً ومرتدةً، ولا تقيم شرعًا للإسلام، وطاغوتية بحكم الوضع القانوني الدستوري العلماني؟ إلا إذا كان الكاتب ينظر للحزب نظرته لغيره من الأحزاب والحركات التي تقدم تنازلًا تلو الآخر لأنظمة الحكم حتى لو تعلق الأمر بثوابت الإسلام والأحكام الشرعية الواجبة، مقابل أن ترضى عنهم السلطة أو تسمح لهم بمساحة من العمل وفسحة من الحركة.
\n
كما أن الباحث الكريم فاته أيضًا أن الحزب عندما أعاد استئناف جريدة الراية لم ينتظر إذنًا لا من السلطات الأردنية ولا من غيرها، ولم يسع للحصول على رخصة من أجل إصدار جريدته، كما أن الجريدة ليست خاصةً بدولة من الدول، بل هي تطبع وتوزع في جميع البلاد التي يعمل فيها الحزب. ولو كلف الكاتب نفسه عناء قراءة جريدة الراية وما تحويه من موضوعات ساخنة يتم تناولها بطريقة مبدئية ليس فيها مواربة ولا لف ولا دوران لعرف أن حزب التحرير هو هو، حزب التحرير قبل وبعد استئناف إصداره للجريدة، فالصراع الفكري والكفاح السياسي من أعمال الحزب الأساسية التي لا يمكن أن يتخلى عنها أبدًا، وسيظل الحزب الرائد الذي لا يكذب أهله أبدًا، فهو من سيفضح الحكام ويكشف تآمرهم على الأمة.
\n
\n
\n
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
شريف زايد
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
\n
\n
\n