نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني بتصرف في “كيف يُقبض العلم”
حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا”.
قوله: (لا يقبض العلم انتزاعا) أي: مَحْواً من الصدور، وكان حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – بذلك في حجة الوداع كما رواه أحمد والطبراني من حديث أبي أمامة قال: لما كان في حجة الوداع قال النبي – صلى الله عليه وسلم : “خذوا العلم قبل أن يقبض أو يرفع” فقال أعرابي: كيف يرفع؟ فقال: ألا إن ذهاب العلم ذهاب حملته. ثلاث مرات. قال ابن المنير: محو العلم من الصدور جائز في القدرة، إلا أن هذا الحديث دل على عدم وقوعه.
لعل في هذا الحديث رسالةً بالغةً إلى العلماء. قبل أن يغادروا هذه الدنيا، ويغادر علمهم معهم، نسألهم: أيها العلماء، ما فائدة العلم إن لم يُعمل به في الحياة؟ ألم يأتكم نبأ من قبلكم ممن لبس لبوس العلماء؟ فمات وبقيت الأمة تطارده بكلماتها، لماذا لم يعمل بعلمه؟ أين هو اليوم؟ كم من عالم عاش ومات خلال التسعين عاما منذ هدمت دولة الإسلام، ولم يعمل لإعادة هذه الدولة من جديد؟ ألم يعلم بأن هذا الفرض هو فرض الفروض؟ أم ترى أن الأمة أدركت هذا الفرض وهو – بعلمه وفقهه- لم يدرك ما أدركته الأمة بعد؟ كلا والله، ولكنه الخوف الذي عانت منه الأمة طيلة تلك العقود، الخوف من الحكام والحرص على الدنيا الفانية. ولكن- أيها العالم- الأمة كسرت هذا الحاجز، وهي أقل منك معرفة بالله، فماذا عسانا نقول لك؟ وماذا أنت فاعل؟ أتراك- بعد الآن – تقف موقف الأمة؛ بل تسبقها، بوقوفك معها في ثورتها؟ قبل أن تذهب فيذهب علمك معك، فيكون عليك يوم القيامة لا لك. إذن انتفض وأعلنها ثورة أنت ومن معك من العلماء، أعلنوها “ثورة العلماء”، وهذا أقل ما يجب فعله من أمثالكم في هذا الوقت العصيب الذي تمر فيه أمتكم.
ألا هل بلغنا؟ اللهم فاشهد.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.