الجزائر: صيف سياسي ساخن
\n
يعيش النظام السياسي الجزائري هذه الأيام أزمة سياسية حرجة ضمن الأزمات المتواصلة التي يمر بها منذ أربع سنوات خاصة خلال فترة العهدة الرابعة لبوتفليقة، ومظاهر الأزمة الحالية عديدة: منها انفضاح ملفات الفساد وتورط شخصيات مهمة قريبة من الرئيس، وتدهور الأوضاع على الحدود مع تونس وليبيا ومالي والمغرب، إضافة إلى تشتت أحزاب الموالاة وفشلها في توفير الغطاء السياسي لنظام الحكم، وتواصل الأعمال الإرهابية في العديد من المناطق، ناهيك عن الاحتجاجات المتواصلة في أغلب الولايات أهمها عين صالح بتنمراست ومدينة غرداية، دون أن ننسى الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد وانخفاض أسعار النفط…
\n
هذا الفشل الذريع الذي تتخبط فيه حكومة سلال دفع بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتمديد عمر الحكومة ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، حيث عمد إلى تعديل الدستور في بداية شهر نيسان/أفريل وأهم بنوده المادة 88 الثغرة الوحيدة لجهاز المخابرات والمعارضة للمطالبة بتغيير الحكومة، ثم تعيين نائبٍ له ليكون خليفته في الحكم بعد موته، والمرشح الأبرز شقيقه السعيد، وهذا ما ترفضه المعارضة ومؤسسة الاستعلامات فتم إرجاء المصادقة عليه آخر سنة 2015 أو ربما التفكير بجدية في انتخابات رئاسية استثنائية بداية سنة 2016 إلى أن يتم الاتفاق النهائي حول القيادات الجديدة لأحزاب الموالاة (جبهة التحرير، التجمع الوطني الديمقراطي، حركة مجتمع السلم التي يعتقد الكثير أنه من أبرز أحزاب المعارضة).
\n
ولتغطية هذه الأزمات والفشل التام لأداء الحكومة عمد بوتفليقة إلى تنشيط الدبلوماسية الجزائرية تحت عنوان الاستثمار ومزيد التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب وتنشيط القطاع السياحي بزيارات متتالية أهمها زيارة وزير خارجيته رمطان لعمامرة يوم 8 نيسان/أفريل إلى واشنطن تلتها زيارة عبد المالك سلال يوم 28 نيسان/أفريل إلى الصين، واستقبال راؤول كاسترو رئيس كوبا يوم 3 أيار/ماي في زيارة دامت 3 أيام، واستقبال الرئيس التنزاني مريشو كيكوتي يوم 9 أيار/ماي في زيارة دامت 3 أيام، واستقبال وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس يوم 12 أيار/ماي واستقبال رئيس حكومة تونس الحبيب الصيد يوم 16 أيار/ماي، في انتظار زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يوم 15 حزيران/جوان دون أن ننسى الزيارات المتتالية للدول الإفريقية والمغاربية.
\n
لم يكتف عبد العزيز بوتفليقة بتعديل الدستور وتنشيط الدبلوماسية الخارجية بل عمد إلى تغيير وزاري في حكومة سلال شمل 13 حقيبة وزارية كان أهمها إعفاء يوسف يوسفي وزير الطاقة لفشله في هذا القطاع الحساس ومصدر الفساد المالي بعد فضيحة شكيب خليل وبسبب الاحتجاجات المتواصلة بعين صالح، وترقية الطيب بلعيز وزير الداخلية إلى منصب مستشار الرئيس وترقية عبد القادر مساهل الوزير المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية إلى مكلف بالشؤون الدولية والأممية، وترقية عمار غول وزير النقل إلى وزير السياحة وإنقاذه من التهم الموجهة إليه في أحداث طريق السيارة وإقصاء آخرين وتغييرهم بالأكفأ حسب تعبيره مع الإبقاء على المقربين والمخلصين أمثال رمطان لعمامرة وزير الخارحية وأحمد قايد صالح رئيس الأركان ونائب وزير الدفاع.
\n
بهكذا إصلاحات، تعديل الدستور وتغيير وزاري في حكومة سلال وتنشيط الدبلوماسية الجزائرية يضمن بوتفليقة استمرار الحكومة من بعده ويكون الولاء التام للنفوذ البريطاني بعد إقصاء من يشكك فيهم وتقليص نفوذ من يعرقلون مسيرته وهم المحسوبون على جهاز الاستخبارات الموالي لفرنسا، وبالتالي قطع الطريق أمام الأمريكان الذين يصرون على إيجاد موطئ قدم لهم في منطقة شمال إفريقيا وبالأخص في الجزائر.
\n
إلا أن هذا التغيير لم يستسغه الكثيرون وكانت ردود الفعل متباينة بين الساسة ورؤساء الأحزاب على غرار علي بن فليس وعبد الرزاق مقري وجهاز المخابرات، خاصة حينما نلاحظ التصعيد في العمليات الإرهابية حيث تم اغتيال 4 جنود وحرق جثثهم يوم 12 أيار/ماي وتفكيك العديد من الشبكات الإرهابية وحجز كميات هائلة من السلاح يكفي أن يكون عتاداً عسكرياً لدولة عربية، إضافة إلى تجدد الاحتجاجات بعين صالح وخاصة يوم الأحد 18 أيار/ماي بمدينة غرداية حيث أصيب 15 دركيا في اشتباكات مع مجهولين وتخريب 3 سكنات و3 مركبات وحرقها. والأحداث تتصاعد وتيرتها والأوضاع تزداد سوءا على سوء، والجزائر تتجه إلى المجهول في ظل الصراعات الداخلية بأيادٍ خارجية لمزيد بسط النفوذ والهيمنة الاستعمارية ونهب الثروات، وإلى اللحظة لم تقر الحكومة بفشلها الذريع في رعاية الشؤون ولم تعتبر بمن سبقوهم من حكومات الربيع العربي.
\n
فلا حل للجزائر وباقي بلاد الإسلام من الهيمنة الاستعمارية والعبث بثروات الشعوب والانعتاق من التبعية للغرب المستعمر وتحرير الشعوب من الديكتاتورية والاضطهاد والظلم والقمع والاستبداد الذي مورس عليهم لعقود من الزمن، لا حل لها من كل ذلك إلا بقيادة واعية وراشدة ترعى شؤونها وتحمي بيضتها وتقودها لغد مشرق في ظل دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
\n
\n
\n
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سالم أبو عبيدة – تونس
\n
\n