جرائم النخب المصرفية تفلت دون عقاب في الرأسمالية
\n
قال توماس جيفرسون (رئيس الولايات المتحدة الثالث): \”أعتقد بصدق أن المؤسسات المصرفية هي أكثر خطورة من الجيوش\”.
\n
لدى البنوك الغربية عادة التورط في فضائح تنطوي على مبالغ مالية ضخمة. وقد ذكر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي الأسبوع الماضي عن اشتراك ستة بنوك عالمية في الإجرام و\”على نطاق واسع\”، وهذه البنوك ستدفع غرامات قيمتها حوالي 5,6 مليار دولار؛ لتلاعبها بسوق العملات الأجنبية. وقد أعلنت وزارة العدل الأمريكية عن تسويات لمخالفات حصلت ما بين كانون الأول/ ديسمبر 2007م، وكانون الثاني/ يناير 2013م، من قبل مجموعة: سيتي جروب، جي بي مورغان تشيس، بنك باركليز، ورويال بنك أوف سكوتلاند، التي تسمي نفسها \”كارتل\”، حيث استخدمت هذه البنوك غرف محادثات سرية بلغة مشفرة؛ للتلاعب بأسعار الصرف، وذلك في محاولة منها لزيادة أرباحها.
\n
إنّ هذه ليست أول فضيحة مصرفية يتم كشفها، فمنذ بدء الأزمة المالية العالمية في عام 2008م، والبنوك العالمية في طليعة هذه الفضائح. ففي كانون الثاني/ يناير 2013م، وافق \”بنك أوف أميركا\”، والمعروف بالفساد، على تسوية مالية بأكثر من 11 مليار دولار مع حكومة الولايات المتحدة، لتمويله الرهانات العقارية السيئة لشركة الائتمان \”فاني ماي\”. وفي عام 2012م، أدانت المفوضية الأوروبية \”دويتش بنك\”، والبنك السويسري (UBS)، والبنك الملكي الأسكتلندي، وثلاثة بنوك كبرى أخرى، وفرضت عليها غرامات مالية بلغت 1,7 مليار يورو، لتلاعبها بأسعار المرجعية الثابتة اليومية للمعاملات بين البنوك. وأيضًا فإنه خلال الفترة نفسها من العام 2012، كان على بنك (HSBC) دفع غرامة قياسية قيمتها 1.9 مليار دولار أمريكي، بعد أن اتضح أن البنك كان يقوم، ولعدة سنوات، بغسيل الأموال لعصابات مخدرات مكسيكية وإرهابيين إيرانيين. وهذه ليست سوى بعض من الفضائح المصرفية الكبيرة، وهي فيض من غيض فضائح الفساد الذي يسود النظام المصرفي بأكمله.
\n
لكن على الرغم من الجرائم الصارخة التي ارتكبتها البنوك العالمية المعروفة، إلا أن المسئولين الصغار هم فقط من يقدمون إلى المحاكمة ويدانون، أما رؤساؤهم فتتم تبرئتهم، ويظلون بعيدين عن أعين القانون، وعن أي شكل من أشكال الرقابة الحكومية التي يمكن أن تحدّ من قدرتهم على جني الأرباح الفاحشة. ويضاف إلى كل ذلك، أن البنوك العالمية تستفيد من الدعم المالي الاستثنائي المقدم لها من قبل الحكومات، من مثل التيسير الكمي، وشراء الأصول الرديئة، وضخ رأس المال، وخفض أسعار الفائدة… الخ، وتستفيد من امتيازات جميع الحكومات الغربية.
\n
إن العلاقة بين السياسيين والمصرفيين هي التي تحافظ على بقاء النظام المصرفي واقفًا على قدميه لخدمة مصالح الأثرياء. وتلاعب المصرفيين بالنظام المصرفي من خلال المعاملات المالية المشبوهة يحصل بمصادقة من التشريعات الحكومية، التي تمكن الرأسماليين المصرفيين من الثراء الفاحش، بغض النظر عما إذا كان الاقتصاد العالمي يمر بأزمة أم يشهد طفرة اقتصادية. وقد ذكرت منظمة \”أوكسفام\” في وقت سابق من هذا العام، أن أغنى 80 شخصًا في العالم يحوزون على ثروة تعادل ثروة 50٪ من سكان العالم، أي حوالي 3.5 مليار نسمة! وهذا يعني أن الأموال قد تركزت هذا العام أكثر من السنة الماضية، عندما كانت نصف ثروة العالم في أيدي 85 شخصًا. وتتوقع منظمة \”أوكسفام\” أنه بحلول العام المقبل، ستتجاوز ثروة الواحد في المائة من الأثرياء الـ99% من الناس! وقال ويني بنيامين (المدير التنفيذي لمنظمة أوكسفام الدولية): \”هل نريد حقًا أن نعيش في عالم يملك فيه الواحد في المائة من الناس أكثر من بقية سكان العالم مجتمعين؟ إن حجم التفاوت العالمي هو بكل بساطة هائل، وعلى الرغم من أن هذه القضية هي محط اهتمام عالمي، إلا أن الفجوة بين الأغنياء وبقية سكان العالم آخذة في الاتساع بشكل متسارع\”.
\n
ويقول العديد من المفكرين أن هذا الخلل في تركز الثروة في جيوب الأثرياء، والذي سببه النظام المصرفي، هو على حساب الغالبية العظمى من الناس، يقول توماس جيفرسون: \”إذا سمح الشعب الأمريكي للمصارف الخاصة بالسيطرة على إصدار العملة، فسيحصل تضخم ثم انكماش، ثم تنمو المصارف والشركات التي تدور في فلك هذه البنوك، وسيحرم الشعب من جميع الممتلكات، وسيولد أطفالهم بلا مأوى في القارة التي غزاها آباؤهم\”. وعمومًا، فإن الأمريكيين قد أفلسوا بالفعل، فمجموع ديونهم يساوي 58 تريليون دولار، بينما كان يساوي قبل 35 عامًا نحو 4.3 تريليون دولار. لذلك فإن الثراء الفاحش في أمريكا لم يركز الثروة في أيدي شريحة صغيرة جدًا فقط، بل وقد نقل عبء الديون إلى دافعي الضرائب الأمريكية، وهذا الحال نفسه ينطبق على جميع بلدان العالم.
\n
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل هناك آلية يمكن تبنّيها لمنع تركز الثروة في أيدي عدد قليل من الأفراد، ولتوزيعها بعدل على أفراد المجتمع؟ الاشتراكية لا تستحق فرصة، فهي قد فشلت في هذا الصدد. بينما الإسلام هو النظام الفريد، الذي وزع لقرون الثروة بشكل عادل داخل المجتمع، وحال دون تركزها في أيدي عدد قليل من الناس. كما أن العلاقة بين السياسيين والمصرفيين والثراء الفاحش بكل بساطة غير موجودة في المجتمع الإسلامي، مصداقًا لما جاء القرآن الكريم به: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.
\n
وعلى عكس الرأسمالية، التي تكرس الثراء الفاحش في أيدي نخبة صغيرة من أساطين رأس المال على حساب باقي الناس، فقد ضمن الإسلام إشباع الحاجات الأساسية لجميع الناس فردا فردا، من الملبس والمأكل والمأوى، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «لَيْسَ لِابْنِ آدَمَ حَقٌّ فِي سِوَى هَذِهِ الْخِصَالِ: بَيْتٌ يَسْكُنُهُ وَثَوْبٌ يُوَارِي عَوْرَتَهُ وَجِلْفُ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ» سنن الترمذي.
\n
إن الإسلام هو الحل الحقيقي للوضع الاقتصادي الراهن الذي تواجهه الرأسمالية العالمية، حيث تقوم الحكومات باستمرار بكفالة البنوك حتى يزداد ثراؤها على حساب فقر الآخرين. وفي قلب هذه القضية فإن البنوك والمودعين الأثرياء هم القادرون على شراء التشريعات الحكومية لحماية مصالحهم، ويفلتون دون عقاب من القانون على أخطائهم. قال نابليون بونابرت ذات مرة: \”عندما تعتمد الحكومة على البنوك من أجل المال، فإن تلك البنوك هي التي تكون في القيادة وتسيطر على الوضع وليست الحكومة؛ وذلك لأن اليد التي تعطي هي العليا… المال ليس له وطن، والممولون هم دون الوطنية ودون اللياقة، فهدفهم الوحيد هو الربح\”.
\n
\n
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد المجيد بهاتي/ باكستان
\n
\n