إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 96)
الإقطاع، التحجير
\n
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.
\n
أيها المؤمنون:
\n
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي, ومع الحلقة السادسة والتسعين, وعنوانها: \”الإقطاع, التحجير\”. نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الثالثة والثلاثين بعد المائة من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
\n
يقول رحمه الله: \”وأما الإقطاع فيكون في الأراضي التي تضع الدولة يدها عليها وهي التي تسمى (أراضي الدولة) وتشمل ما يلي:
\n
1. الأرض العامرة الصالحة للزرع والشجر، مثل الأرض التي أقطعها الرسول صلى الله عليه وسلم للزبير في خيبر، وفي أرض بني النضير، وكان فيهما شجر ونخل، ومثل الأراضي العامرة التي هرب أصحابها من البلاد المفتوحة.
\n
2. الأرض التي سبق أن زرعت ثم خربت مثل أرض البطائح والسباخ في العراق الواقعة بين الكوفة والبصرة، فقد روي عن محمد بن عبيد الثقفي أنه قال: استقطع رجل من أهل البصرة يقال له نافع أبو عبد الله، عمر بن الخطاب أرضا بالبصرة ليست من أرض الخراج, ولا تضر بأحد من المسلمين ليتخذ منها قضبا لخيله (وفي رواية قصلا)، فكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: \”إن كانت كما يقول فأقطعه إياها\”. وأقطع عثمان بن عفان، عثمان بن أبي العاص الثقفي أرضا بالبصرة كانت سباخا وآجاما فاستخرجها وأحياها.
\n
ومعنى القضب: هو كل شجرة طالت وبسطت أغصانها. والقضب أيضا: الشجر الرطب يقطع مرة بعد أخرى. قصلا: قصل الدابة علفها. والقصل: بفتحتين ما يوجد في الطعام مثل الزوان, والقصالة بالضم: ما يعزل ثم يداس ثانية. والسباخ من الأرض: ما لم يحرث ولم يعمر لملوحته.
\n
3. الأرض الموات التي لم يسبق أن زرعت أو عمرت آباد الدهر، ووضعت الدولة يدها عليها لأنها من مرافق المدن والقرى مثل شواطئ البحار والأنهار القريبة منها.
\n
4. الأرض التي أهملها أصحابها بعد ثلاث سنين وأخذتها الدولة منهم، مثل الأرض التي أقطعها الرسول صلى الله عليه وسلم لبلال المزني ثم استرجع عمر ما أهمله منها بعد ثلاث سنين وأقطعها لغيره من المسلمين. أخرج أبو عبيد في الأموال عن بلال بن الحارث المزني \”أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه العقيق أجمع، قال: فلما كان زمن عمر قال لبلال: \”إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقطعك لتحجره على الناس إنما أقطعك لتعمل, فخذ منها ما قدرت على عمارته ورد الباقي\”\”. وقد انعقد إجماع الصحابة على أن من عطل أرضه ثلاث سنين تؤخذ منه وتعطى لغيره.
\n
أما تحجير الأرض فهو كالإحياء سواء بسواء. وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: \”من أحاط حائطا على أرض فهي له\” وقوله: \”من أحاط حائطا على شيء فهو له\” وقوله: \”من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به\”. ولأن التحجير يملك به المحجر التصرف بنص الحديث. وللمحجر منع من يروم إحياء ما حجره. فإن قهره غيره فأحيا الأرض التي حجرها قبل انتهاء ثلاث سنين من حين التحجير لم يملك ذلك وردت إلى المحجر، وإن كان القهر بعد مضي ثلاث سنوات لم ترد على المحجر وتبقى لمن أحياها.
\n
ولأن التحجير مثل الإحياء في التصرف بالأرض، ووضع اليد عليها. فإن باع المحجر الأرض التي حجرها ملك ثمن بيعها؛ لأنه حق مقابل بمال, فتجوز المعاوضة عليه. ولو مات المحجر، فإن ملكها ينتقل إلى ورثته، كسائر الأملاك، يتصرفون بها، وتقسم عليهم حسب الفريضة الشرعية، كما تقسم سائر الأموال.
\n
وليس المراد من التحجير وضع أحجار عليها، بل المراد وضع ما يدل على أنه وضع يده عليها، أي ملكها، فيكون التحجير بوضع أحجار على حدودها، ويكون التحجير بغير الحجر، بأن غرز حولها أغصانا يابسة، أو نقى الأرض، وأحرق ما فيها من شوك، أو خضد ما فيها من الحشيش، أو الشوك، وجعلها حولها، ليمنع الناس من الدخول، أو حفر أنهارها ولم يسقها، أو ما شاكل ذلك يكون كله تحجيرا. ومعنى خضد الشيء: كسره من غير فصل. وخضده: أي قطعه. وخضده: ثناه. خضد الشجر: نزع الشوك عنه.
\n
والظاهر من الأحاديث أن التحجير كالإحياء، إنما يكون في الأرض الميتة، ولا يكون في غيرها. فقول عمر: \”ليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين\”. أي ليس لمحتجر في الأرض الميتة. أما الأرض غير الميتة فلا تملك بالتحجير، ولا بالإحياء، بل تملك بإقطاع الإمام. لأن الإحياء والتحجير قد وردا بالأرض الميتة، فقال: \”من أحيا أرضا ميتة\” و\”ميتة\” صفة يكون لها مفهوم معمول به، فتكون قيدا. وأيضا روى البيهقي عن عمرو بن شعيب أن عمر جعل التحجير ثلاث سنين، فإن تركها حتى تمضي ثلاث سنين، فأحياها غيره، فهو أحق بها. ومعنى ذلك أن غير الميتة من الأراضي لا تملك بالتحجير أو الإحياء\”.
\n
وقبل أن نودعكم مستمعينا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
\n
1. يكون الإقطاع في الأراضي التي تضع الدولة يدها عليها وتشمل ما يأتي:
\n
1) الأرض العامرة الصالحة للزرع والشجر.
2) الأرض التي سبق أن زرعت ثم خربت.
3) الأرض الموات التي لم يسبق أن زرعت أو عمرت آباد الدهر.
4) الأرض التي أهملها أصحابها بعد ثلاث سنين وأخذتها الدولة منهم.
\n
2. تحجير الأرض كالإحياء سواء بسواء, ومن أحكامها ما يأتي:
\n
1) ليس المراد من التحجير وضع أحجار، بل وضع ما يدل على أنه وضع يده عليها أي ملكها.
2) يكون التحجير في الأرض الميتة، ولا يكون في غيرها.
3) الأرض غير الميتة لا تملك بالتحجير، ولا بالإحياء، بل تملك بإقطاع الإمام.
4) بالتحجير يملك المحجر التصرف بالأرض.
5) للمحجر منع من يروم إحياء ما حجره.
6) إن قهر المحجر غيره فأحيا الأرض التي حجرها قبل انتهاء ثلاث سنين ردت إلى المحجر.
7) إن كان القهر بعد مضي ثلاث سنوات لم ترد على المحجر, بل تبقى لمن أحياها.
8) إن باع المحجر الأرض التي حجرها ملك ثمن بيعها.
9) ينتقل ملك المحجر إلى ورثته، كسائر الأملاك، يتصرفون بها وتقسم عليهم حسب الشرع.
\n
أيها المؤمنون:
\n
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, وللحديث بقية, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة على منهاج النبوة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
\n
\n