الخلافة فرض؛ فلا يصدنكم عنها علماء السلاطين
نشرت جريدة التحرير المصرية في 20/6 الجاري في باب المقالات مقالا للدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر تحت عنوان: \”الخلافة ونظام الحكم في الإسلام\”، ولا أدري هل هو مقال حقا للدكتور أم أن الجريدة قامت بتفريغ محاضرة له أو برنامج تليفزيوني، لأن المقال مكتوب باللغة العامية بالغة السوء، والكاتب يعد نفسه فقيها وعالما لا يشق له غبار، فكيف سمح لنفسه أن يتدنى باللغة العربية لهذا الحد. ناهيك عن تدنيه في عرض أمر خطير كهذا الذي يتكلم عنه في مقالته، وبُعده الشديد عن تناول المسألة بشكل علمي وكأنه فقد صوابه لما رأى فكرة الخلافة قد تجذرت في وجدان الأمة حتى صارت مطلبا شعبيا لدى قطاع لا بأس به من أبناء الأمة.
\n
والغريب أن السيد الدكتور يتكلم عن الخلافة فيصف واقعا مغايرا لما هي عليه، وكأني به يصف نفسه وجوقة المطبلين لحكام هذا الزمان من العلماء والمشايخ، فهو يقول في مقالته تلك: \”وعشان الخليفة اللي وصف نفسه بإنه خليفة إسلامى ده يقدر يكمل التمثيلية ويحبكها على الشعب.. فعليه أن يكون جيشا من المشايخ يستولون على منابر المساجد.. وميكروفونات الخطاب الديني، ويصدرون فتاوى جماعية تمكن الخليفة من السيطرة على الناس بالدين.. وفي المقابل.. الخليفة يجاملهم.. ويمنحهم حظوة ومكانة.. على حساب الشعب مش من جيبه.. يعني الشعب يدفع الفاتورة الدينية مرتين.. مرة للخليفة بالسمع والطاعة.. ومرة للمشايخ بتعويضهم فى توجيه الناس دينيا\”. وأنا أريد أن أسأله: أليس هذا الذي تتحدث عنه عين ما قمت به حين وقفت خطيبا أمام السيسي ومحمد إبراهيم لتلبسهما لباس النبوة كهارون وموسى، في وصلة نفاق غريبة ما سبقك بها أحد من أشد علماء السلاطين سوءًا؟!. ألست أنت وأمثالك من المشايخ من يستولون الآن على المنابر وميكروفات الخطاب الديني، وتصدرون فتاوى جماعية تمكن الحاكم الذي يحكم بغير من أنزل الله من رقاب الناس وعقولهم وقلوبهم باسم الدين؟!
\n
وفي المقابل ألستم أنتم من نال الحظوة والمكانة على حساب الشعب المسكين الذي أفتيتم بجواز قتله لأنهم خرجوا على إمامكم المتغلب، ما لكم كيف تحكمون؟!
\n
يقول الدكتور في مقدمة مقالته أو حلقته: \”مع إن كل الحكام في الدنيا بيصدروا أحكامهم بتوخى العدل بين الناس. عن اجتهاد شخصي.. وعن مشورة بشرية.. وأحكامهم مش بالضرورة تكون صوابا.. فمن المحتمل أنها تكون غلط.. فازاي نوصف الحكم الغلط ده بأنه إسلامي.. يقولك: هو كده وخلاص، عشان آل إيه الخلافة، هما وصفوها بأنها خلافة إسلامية.. يبقى الخليفة عندهم بيحكم بأمر الله.. وكلامه شرع ودين.. وعلى الناس أنها تطيعه في المنشط والمكره\”. أليس هذا هو التضليل بعينه ممن يفترض فيه القوامة على فكر المجتمع؟!، من قال من علماء الأمة أن الخليفة يحكم بأمر الله، وأنه منزه عن الخطأ وأن كلامه شرع ودين؟! فيا أستاذ الفقه المقارن الخلافة حكم شرعي كالصلاة والصيام والحج، هي فريضة فرضها الله على هذه الأمة والخلافة منصب دنيوي، والخليفة بشر يصيب ويخطئ كما يصيب ويخطئ المسلم في صلاته وصيامه وحجه، فهل قال أحد من العالمين كيف تكون الصلاة من الإسلام وهناك من يخطئ في تأديتها على وجهها، فإن أصاب الخليفة وأقام العدل وطبق الشرع وأعطى كل ذي حق حقه فقد أدى الذي بويع عليه وأجره على الله، وإن أخطأ حوسب وقوّم بالقسط. والخلافة إذا التزمت ما أمر الله به وما نهى الله عنه فهي خلافة عدل ورحمة فكانت راشدة على منهاج النبوة، وإن ظلمت وبغت فقد انحرفت عن الصراط المستقيم فكانت ملكا عاضا وجب على الأمة وعلى العلماء وعلى الأحزاب الإسلامية فيها إعادتها إلى جادة الصواب، وإن أظهرت الكفر البواح خرجت الأمة على الخليفة بالسيف حتى يرجع أو يعزل.
\n
أما عن قولك: \”فلو مات الخليفة الإسلامي بتاعهم ده فهل يوجد في القرآن أو في السنة الصحيحة بيان بطريقة اختيار الخليفة التالي، طبعا مافيش.. لا في اختيار الخليفة التالى، ولا في اختيار الخليفة الأول.. وكل ده مرجعه إلى اختيار الناس.. بس نعمل إيه مع الكدابين اللي عايزين يستعبدونا باسم الدين\”. فهو قمة الكذب والتضليل، وما هي إلا محاولة فاشلة منك لصرف الأمة عن توجهها نحو الإسلام والتمكين لشرعه بإقامة الخلافة على منهاج النبوة، فطريقة اختيار الخليفة معلومة غير مجهولة، وهي البيعة لمن نال الأكثرية من المرشحين لمنصب الخلافة، فهل مثلك يجهل كيف تم اختيار أبي بكر رضي الله عنه في السقيفة، ألم يكن مرشحا ضمن أربعة مرشحين هم سعد وأبو عبيدة وعمر رضي الله عنهم أجمعين، وبعد أن استقر الأمر لأبي بكر تمت بيعته بيعة الطاعة في اليوم التالي في مسجد النبي ﷺ، فإن أشكل عليك فهم ما حدث في السقيفة، فمثلك بل أقل منك لا يمكن أن يشكل عليه كيف تم اختيار عثمان رضي الله عنه من ضمن ستة مرشحين، فقد ظل عبد الرحمن بن عوف لليلتين متصلتين يستطلع رأي أهل المدينة رجالا ونساءً حتى تأرجحت الكفتين بين علي وعثمان لتتم البيعة في المسجد لعثمان على الكتاب والسنة وعلى ما اتفق عليه الشيخان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وعن صحابة رسول الله أجمعين. فإن لم يكفك هذا ولا ذاك فبين يديك أحاديث لرسول الله ﷺ، منها ما روى مسلم عن طريق نافع قال لي ابن عمر: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» والبيعة تكون للخليفة لا غير. وما روى مسلم عن أبي حازم قال: \”قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي ﷺ قال «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وأنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر»، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم». وما روى مسلم أن النبي ﷺ قال «ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر»، قل لي بالله عليك ماذا أنت فاعل بأحاديث رسول الله ﷺ.
\n
وفي النهاية أقول لك يا دكتور إن الخلافة فرض ولن يصدنا عنها أمثالكم من علماء السلاطين، وإن الخلافة التي نريد خلافة راشدة على منهاج النبوة وليست ملكا عاضا ولا مسخا مشوها كخلافة تنظيم الدولة، وهي وحدها التي ستنقذ الأمة من مستنقع الفقر والعوز والفوضى والأزمات المتلاحقة التي وقعت فيها، وهي مشروع الأمة العظيم الذي ستلتف حوله بكل تأكيد، لأنه يشكل حضارة وتاريخ هذه الأمة الذي تتجاهله أنت ومن معك، فضلا عن أنه حكم شرعي واجب الاتباع وبذل الغالي والنفيس في سبيل تحقيقه، ولكنكم قوم تجهلون.
\n
\n
\n
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
شريف زايد
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
\n
\n
\n