مسافة قصيرة والرحلة طويلة!!
\n
منذ فجر التاريخ والإنسان يسعى للتعرف على ما خلق الباري واكتشافه، وتدبر إبداعه سبحانه وتصويره، فسبحان الذي جعل الأرض مهادًا والجبال أوتادًا، وغطى الأرض بسماء من غير عمد. وكل هذا يحتاج إلى الترحال والانتقال من مكان إلى آخر، وإلى عقل سليم، وقلب خاشع، وإحساس قوي.
\n
في هذه الحياة يجد الإنسان كيف أن الله قد سخّر هذه الأرض له، ولكن الإنسان بفعل يديه فرض أمورًا تنغص عليه حياته. وهنا نتكلم عن الحدود بين الدول التي وضعها الإنسان، وفرض على من يريد العبور \”جوازًا\”، وليس هذا من باب التنظيم، وإنما من باب التنغيص وحماية لما وراء الحدود. ففصلت الحدود بين الشرق والغرب، وبين المسلم والكافر، وحتى بين المسلم والمسلم، وكأنهما يختلفان. فما يميز ابن الأردن عن ابن الحجاز، وما يميز ابن العراق عن ابن الكويت هو حد خُطّ على الورق. وليس هذا فقط، بل زادوا على ذلك بأن اشترطوا لعبور الحدود شروطًا لها أول وليس لها آخر. ما يجعل في القلب حرقة لا تُطفئها سوى الدماء الزكية للشهداء المُنتظرين من جنودنا المخلصين.
\n
ودعوني يا ضباط أمتي وجيوشها وقادتها أعرض عليكم ما يقوم به كيان يهود المتغطرس كل يوم على عين وبصيرة من حكامكم في أرض الإسراء والمعراج، فحكام الأردن منذ أن قام كيان يهود في فلسطين، وهم لا يسمحون بالانتقال من غرب النهر إلى شرقه – في مسافة لا تزيد عن نصف كيلو متر! – إلا بإجراءات معقدة، ذلاًّ يذيقونه للمسافرين كل يوم. وتجد أنّ السلطة الفلسطينية ترسل أعدادًا معينة في أوقات معينة إلى نقطة معينة أُطلق عليها نقطة التفتيش الأولى، المسافر فيها جالسٌ يستغل ويهان في مكان قذر، وبعد انتظار طويل يرسلونه إلى أسيادهم، إلى مكان آخر يبعد بضعة مئات من الأمتار، فيستقبله جنود مسلحون، ويجعلونه ينتظر في مركبة تحت الشمس، لدرجة لا يعود يتمنى شيئًا سوى الانتهاء من هذا الموقف، بعدها يرى أحد إخوة القردة والخنازير يشير بيده للمركبة أن تقدمي، فتتقدم المركبة بخُطا خجولة حتى لا تزعج صاحب القول الأول والأخير – الذي بين كيانين يحمونه وينفذون أوامره، هما سلطة مسخ تسمى السلطة الفلسطينية وكيان أطلق على نفسه \”هاشمي\” – فتتقدم المركبة والناس قد أرهقوا من الحرارة وتصلبت أقدامهم، ليستقبلهم شخص يوحي لهم بأنه الخوف بنظارته السوداء وبندقيته الحديثة ولباسه الخاص، ليؤكد للمسافرين أنه صاحب الأرض وصاحب الكلمة في ذلك الموقع. بعد هذا يدخل المسافر في زحام مقيت بين الرجال والنساء، ليهان على مرأى من الجميع، ثم يذهب إلى مكان بارد يكاد ينسيه عناء الذل الذي وقع فيه، لكن ما هي إلا لحظات حتى تناديه إحدى الموظفات بصوت فيه استفزاز كأنها تأمره، فهو إن لم يجب ألقوا به في الخارج، فيظهر لها أوراقه وتنظر إليه من أعلى إلى أسفل كأنه أدنى منهم درجة وتحت أمرهم. لكننا نعلم أن هذه الموظفة جزء من احتلال احتل أرضًا ليست له، وأن لهذه الأرض أصحاباً يغطون الشمس من كثرتهم. وما أن يتجاوز المسافرُ الموظفةَ حتى تستقبله أخرى، كأنهم يريدون أن يهينوه لآخر نَفَس. والسؤال الذي يتبادر في الذهن: أليس في كيان يهود رجال حتى يخرجوا ويعاملوا المسافرين؟ نعم، ليس فيهم رجال. وما أن يخرج المسافر حتى يجد أمتعته ملقاة على الطريق، ويجد موظفين في وجوههم البؤس والإرهاق من شدة الحر، ليحملوا له ما يريد ويضعونه في المركبات. ثم تسير المركبة بضعة أمتار حتى الضفة الشرقية، فيجد المسافر نقطة تفتيش تابعة للأردن، يستقبله فيها جنود من الجيش الأردني حاملين أسلحة من غير ذخيرة – وهم لا يعلمون أتعمل أم لا، فلا مجال لفحصها وتجربتها -، يقفون كأنهم خائفين من أن يرد أحدهم اعتبار ما اقترفه يهود بأهل فلسطين، ثم يستقبله ضابط من الشرطة الأردنية على كتفيه نجوم، ينطق بما لا يعيه، وبما حُفّظ. ثم يدخل المسافر إلى غرفة انتظار، فيها أعداد كبيرة من الناس ينتظرون، والموظفون يدخنون وينفخون في وجوه القادمين، كأنهم يريدون القول لا أهلًا ولا سهلًا بكم، فأنتم من أرض لا يعنينا ما يحل بها، ثم يتقدم المسافر إلى الموظفين الجالسين على الكراسي، فيسألونه باستهزاء إلى أين أنت ذاهب؟ وكأنهم يقولون لا تبقى في أرض قد رواها أجدادك من الشهداء بالدماء الزكية، فهي لم تعد كما كانت، فقد احتلت وجُعل عليها حكام يأمرون الناس بالمنكر وينهون عن المعروف.
\n
إنّ هذا المشهد يتكرر كل يوم، في مسافة لا تزيد عن اثنين كيلو متر! لو قطعتها سيرًا لن تستغرق أكثر من نصف ساعة. كل هذا والجيوش في ثكناتها ترى أهل البلاد يهانون على أيادي الاحتلال، ولا يحركون ساكنًا، فلماذا سميت جيوشًا؟! وما هي وظيفتها؟! والحكام، ألا يعلمون بما يجري للمسلمين في فلسطين على أيادي يهود من بطش وإذلال؟! أم إنه التآمر على هذا الشعب، بأن يظل يهود يقتلون منه من يشاءون ويحرقون منه الشيخ والصبي وشجرة الزيتون. نعم إن حكامنا متآمرون علينا مع يهود لإبقاء الاستعمار فوقنا، وفي كل ركن من حياتنا، فبقاؤهم على العروش مرتبط ببقاء يهود والكافر المستعمر.
\n
لكن هناك أمة لن ترضى بالهوان، ولن تسكت عما يحدث لها من غير أن تحرك ساكنًا، أمةٌ قائدها ومرشدها في التغيير محمد ﷺ، وهذه الأمة ليست كباقي الأمم، فقد خرج من رحمها أبطال أمثال عمر الفاروق، وصلاح الدين، وهي لم تعقر بعدها، فهي شابة بما فيها من فكر وحملة للفكر، أمثال شباب حزب التحرير، وهي ستقلب الأمور وتغير الحال بعون الله وتوفيقه.
\n
إن هؤلاء الجنود الحارسين للحدود هم الذين سيزيلونها لتصبح ثغورًا، وهم الذين سيخلعون يهود من جذورهم، ويكتبون التاريخ من جديد، وينصرون المستضعفين، ويحمون الضعيف، ويرفعون كلمة الحق فوق الرؤوس، وينشرون العدل، إن هم نصروا حزب التحرير في إقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة، وإن هذا الأمر بإذن الله لقريب، فإن الأمة قد ذاقت من صنوف العذاب الكثير، وآن لها أن تعود حرة أبية، على أيادٍ متوضئة زكية مخلصة.
\n
\n
\n
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. ماهر صالح – أمريكا
\n
\n