Take a fresh look at your lifestyle.

مع الحديث الشريف – من أحيا أرضاً ميتة

 

مع الحديث الشريف

 

من أحيا أرضاً ميتة

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

روى أبو داوود في سننه قال:

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَنْ أَحْيَا أرضا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ”

قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ:

(مَنْ أَحْيَا أرضا مَيْتَة): الْأرض الْمَيْتَة هِيَ الَّتِي لَمْ تُعَمَّر، شُبِّهَتْ عِمَارَتهَا بِالْحَيَاةِ وَتَعْطِيلهَا بِالْمَوْتِ. قَالَ الزُّرْقَانِيُّ: مَيِّتَة بِالتَّشْدِيدِ, قَالَ الْعِرَاقِيّ: وَلَا يُقَال بِالتَّخْفِيفِ لِأَنَّهُ إِذَا خُفِّفَ تُحْذَف مِنْهُ تَاء التَّأْنِيث. وَالْمَيْتَة وَالْمَوَات وَالْمَوَتَان بِفَتْحِ الْمِيم وَالْوَاو الَّتِي لَمْ تُعَمَّر سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَشْبِيهًا لَهَا بِالْمَيِّتَةِ الَّتِي لَا يُنْتَفَع بِهَا لِعَدَمِ الِانْتِفَاع بِهَا بِزَرْعٍ أَوْ غَرْس أَوْ بِنَاء أَوْ نَحْوهَا. اِنْتَهَى

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إحياء الْمَوَات إِنَّمَا يَكُون مَحْفَرُهُ وَتَحْجِيره وَإِجْرَاء الْمَاء إِلَيْهِ وَنَحْوهَا مِنْ وُجُوه الْعِمَارَة فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ مَلَكَ بِهِ الْأرض سَوَاء كَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِ السُّلْطَان أَوْ بِغَيْرِ إِذْنه، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ كَلِمَة شَرْط وَجَزَاء، فَهُوَ غَيْر مَقْصُور عَلَى عَيْن دُون عَيْن وَلَا عَلَى زَمَان دُون زَمَان، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَكْثَر الْعُلَمَاء.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: لَا يَمْلِكهَا بِالْإحياء حَتَّى يَأْذَن لَهُ السُّلْطَان فِي ذَلِكَ، وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ فَقَالَا بِقَوْلِ عَامَّة الْعُلَمَاء. اِنْتَهَى.

(لَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ): قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ أَنْ يَغْرِس الرَّجُل فِي غَيْر أرضه بِغَيْرِ إِذْن صَاحِبهَا أَوْ يَبْنِي فِي أرض غَيْره بِغَيْرِ إِذْنه فَإِنَّهُ يُؤْمَر بِقَلْعِهِ إِلَّا أَنْ يَرْضَى صَاحِب الْأرض بِتَرْكِهِ. اِنْتَهَى.

وَفِي النِّهَايَة: هُوَ أَنْ يَجِيء الرَّجُل إِلَى أرض قَدْ أَحْيَاهَا رَجُل قَبْله فَيَغْرِس فِيهَا غَرْسًا غَصْبًا لِيَسْتَوْجِب بِهِ الْأرض .. وَفِي شَرْح الْمُوَطَّأ فَالظَّالِم صَاحِب الْعِرْق وَهُوَ الْغَارِس لِأَنَّهُ تَصَرُّف فِي مِلْكِ الْغَيْر. اِنْتَهَى

(حَقّ): أَيْ فِي الْإِبْقَاء فِيهَا.

أيها الكرام الكرام:

يدلُّ هذا الْحديثُ الشَّريفُ على ثلاثة أحكام شرعية تتعلق بحقوق الفرد والجماعة

الأول: إباحة الملكية الفردية فقوله: “فهي له” أي فهي ملك له.

والثاني: حرمة الاعتداء على أملاك الآخرين. من قوله: “…وليس لعرق ظالم حق”

والثالث: أن إحياء الْموات هو من أسباب التملك المشروعة, فهو عمل من الأعمال التي جعلها الشرع سببا للتملك بدلالة الحديث الذي بين أيدينا.

الإخوة الكرام: إن في تشريع هذه الأحكام حلولاً لكثير من المشاكل التي تواجه المجتمعات الإنسانية

فإباحة الملكية الفردية فيه إشباع لمظهر حب التملك الذي فطر عليه الإنسان, والذي في إباحته تشجيع للإنسان على العمل والإنتاج والإبداع مما يسهم في خدمة الأُمة ورفعتها وتقدمها

كما يصون الحكمُ الثاني ملكيات الأفراد ويبين الحقوق فيرفع الخلاف ويمنع الشقاق والخصومات

أما الحكم الثالث فأَثَرُهُ يظهر حين نعرف مكانة الأرض في حياة الإنسان, فالأرض مصدر عميم للخيرات فهي مصدر الإنتاج الزراعي الذي تقوم عليه حياة الإنسان والحيوان والطير ….كما أنها مصدر المعادن الهامة لحياة الإنسان من بترول وماء وملح وذهب وحديد وغيرها ….وعليها تقام المباني للأغراض المختلفة الاجتماعية والاقتصادية والخدمية: للسكن والاستراحة وتقديم الخدمات وبناء المصانع والأسواق والمخازن وغيرها ….

فالأرض إنما سخرها الله للإنسان ليستعملها في شؤونه المختلفة, وإن تشريع تمليكها لمن يحييها لهو أبلغ رد على من يقولون بالندرة النسبية …..فكم هي شاسعة تلك المساحات من الأراضي غير المستغلة أي الميتة في طول العالم وعرضه, وما هي إلا أن يوضع حكم إحياء الموات موضع التطبيق حتى نرى اندفاع الأفراد لاستغلال هذه المساحات وإحيائها بشتى وسائل الإحياء, استجابة لفطرة حب التملك, ولن نلبث إلا قليلا حتى نرى الأرض الزراعية قد اخضرت وأن الأرض الميتة أو المعطلة قد عمرت, فزاد الإنتاج الزراعي والحيواني ودارت العجلة الاقتصادية, وحلت مشكلة البطالة, لكن هذا يحتاج إلى حكم رشيد ذي دستور قويم وحاكم مخلص رحيم, وبعبارة أوضح, فإن هذا يحتاج إلى إقامة دولة الإسلام التي ستطبق أحكام الشرع, فتحيي الأرض وتحيي الإنسان.

 

أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.