غدًا لكم يا من حكمتم العالم قرونًا
تخرج علينا المحطات العالمية والعربية كل يوم بصور تقشعر لها الأبدان، وتسمعنا أصواتًا تخر لهولها الجبال، وآهات تتفطر لها القلوب وتغلي الدماء في عروقنا من شدتها، من أرض الشام، ومن البحر الأبيض، الذي تحول لمقبرة لمن أراد النجاة، إن هذا البحر الذي كان أول من سيّر فيه أسطولًا بحريًا يرفع راية التوحيد هو خليفة المسلمين عثمان بن عفان رضي الله عنه، هذا البحر الذي وقف فيه عقبة بن نافع بعد أن كاد حصانه أن يغرق قائلًا: \”يا رب لولا هذا البحر لمضيت في البلاد مجاهداً في سبيلك، اللهم اشهد أني قد بلغت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك حتى لا يعبد أحد دونك\”، وهذا البحر شهد غرق عدد من الكفار يكفي ليشبع أسماكه كلها، وليس هذا فحسب، بل إن هذا البحر كان لا يحق لأحد أن يمر من خلاله إلا بإذن ممن يحرس ثغور المسلمين، والتاريخ يذكر كيف كان الأسطول البحري الأموي يصول ويجول في البحر محطمًا كل قوةٍ تقف أمامه، وقد شهد هذا البحر قوة الأسطول البحري العثماني، الذي أرغم أمريكا وغيرها على دفع الجزية مقابل عبوره، لقد كان هذا البحر مسرحًا للجهاد. والآن أصبح بعد أن تغيرت الأحوال وضاع الأسطول الإسلامي والقائد المغوار المجاهد أمثال عثمان بن عفان وعقبة بن نافع ومحمد الفاتح، أصبح مقبرة لمن كانوا يومًا أصحابه!
\n
لقد تغيرت الحال، فأصبح أشد الناس عداوة للإسلام والمسلمين هم من يتحكمون فيه اليوم، ويمنون على المسلمين بالفتات، يذيقونهم المر، ويسقونهم الحنظل! نرى والقلب يحترق ما يحدث لإخوة لنا في الدين كيف يهانون وتُنتهك كرامتهم، ونرى كيف تتبجح مستشارة الكفار قائلة: \”سنخبر أطفالنا بأن لاجئي سوريا لجأوا إلى بلادنا ومكة أقرب لهم\”، تتفوه بهذا القول متناسية أنهم هم من أجبرهم على ذلك، وهي تعلم علم اليقين أنها هي وكل قوى الكفر وأعوانها من تآمروا عليهم بدعمهم لطاغية الشام بشار، وتعلم ويعلم الكافر المستعمر أن هؤلاء من أمة عزيزة لا ترضى الضيم ولا تقبل الذل، وما دفعهم لذلك سوى جور الحكومات \”الصديقة\” والقريبة من العرب والعجم. صحيح أن بلاد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أولى بهم من الكفار ورجسهم، لكن الأمور ستتغير، وعندنا يقين بأن بعد الظلمة نوراً ينير الأرض كلها، ويعيد الأمور إلى نصابها كما كانت عليه. إنّ الكافر المتعجرف يعلم أن هؤلاء اللاجئين لا يطمعون في عيش كريم كالذي ينعم به أهل البلد، ولكن إلى البقاء على قيد الحياة، بعيدًا عن براميل الموت والطائرات، يريدون البقاء على قيد الحياة حتى يقتصّوا ممن شردهم وأخرجهم من بلادهم التي تستنظر القائد المجاهد الخليفة الراشد. فلا نامت أعين حكام المسلمين الجبناء الذين كذبوا على شعوبهم وصدّقوا أنهم هم ومن يدعمهم ويقف معهم \”حماة الإنسانية\”، وهم من وضعوا الشعوب المسلمة في هذا الحال.
\n
إن هذا الأمر لعظيم وشديد على كل صاحب عقل رشيد، والأحوال تتقلب وتتغير والأمور بخواتيمها، وإنّ هذه الأمة التي رباها الرسول الأعظم سوف يكون لها يوم لن تغفر فيه لمن ظلمها، إنّ هذه الأمة قد أقسمت أن تعقد المحاكم وتقتص من كل من ظلمها وشردها بأن تذيقهم مما أذاقوها، والحكام الرويبضات إن لم يتوبوا فإنهم لن ينجوا من العقاب الذي أعدته الأمة لهم، ولعذاب الآخرة أشد، وكذلك سيكون حال من كانت عنده القدرة على إنقاذ هذه الأمة ولم يفعل. إنّ هذه الأمة قد استخلفها الله عز وجل في الأرض، ووعدها التمكين، فستعود من جديد لحكم هذه الأرض، رافعة راية رسول الله صلى الله عليه وسلم خفاقة فوق الرؤوس، بعد أن تمزق ما خطّه سايكس وبيكو، وسوف تقف الأمة على قبور أعدائها قائلة لهم ها قد عدنا.
\n
\n
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. ماهر صالح – أمريكا
\n
\n