إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 143) واردات بيت المال
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي, ومع الحلقة الثالثة والأربعين بعد المائة, وعنوانها: “واردات بيت المال”. نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الثانية والثلاثين بعد المائتين من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
يقول رحمه الله: “واردات بيت المال الدائمة هي: الفيء، والغنائم، والأنفال، والخراج، والجزية، وواردات الملكية العامة بأنواعها، وواردات أملاك الدولة، والعشور، وخمس الركاز, والمعدن، وأموال الزكاة. إلا أن أموال الزكاة توضع في حرز خاص بها من بيت المال، ولا تصرف إلا للأصناف الثمانية الذين ذكروا في القرآن، ولا يجوز أن يصرف منها شيء لغير الأصناف الثمانية، سواء أكان من شؤون الدولة، أم من شؤون الأمة. إلا أنه يجوز للإمام صرفها على رأيه واجتهاده، لمن يشاء من الأصناف الثمانية. فله أن يعطيها لصنف منهم أو أكثر، وله أن يعطيها لهم جميعا. وكذلك واردات أموال الملكيات العامة، فإنها توضع في مكان خاص في بيت المال، ولا تخلط بغيرها، لأنها مملوكة لجميع المسلمين، يصرفها الخليفة وفق ما يراه مصلحة للمسلمين حسب رأيه واجتهاده، ضمن أحكام الشرع. أما الأموال الأخرى التي من حقوق بيت المال، فتوضع في بيت المال مع بعضها، وينفق منها على شؤون الدولة والأمة، وعلى الأصناف الثمانية، وعلى كل شيء تراه الدولة. فإن وفت هذه الأموال بحاجات الرعية كان بها، وإلا فإن الدولة تفرض ضرائب على المسلمين، لتقوم بقضاء ما يطلب منها من رعاية الشؤون”.
ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: واردات بيت المال الدائمة هي:
1. الفيء: هو ما أخذه المسلمون من مال الكفار المحاربين من غير قتال. وسمي فيئا؛ لأن الله تعالى أفاءه على عباده المؤمنين الذين يعبدونه, أي رده عليهم من الكفار؛ لأن الله تعالى إنما خلق الخلق لعبادته, وخلق الأموال إعانة على عبادته, والكافرون لم يستعينوا بها على عبادته, فسلبها منهم. وفيه يقول الله تعالى: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب). (الحشر 7)
2. الغنائم: هي ما أخذه المسلمون من مال الكفار المحاربين بالقوة والقتال. الغنيمة تخمس: فأربعة أخماسها للمقاتلين, والخمس الباقي لبيت مال المسلمين يصرف في مصالحهم العامة. وفيها يقول الله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير). (الأنفال 41)
3. الأنفال: هي الغنائم ذاتها, وهي المال المأخوذ من الكفار بالقتال, وقد سماها الله تعالى أنفالا؛ لأنها زيادة في أموال المسلمين, وهي أربعة أصناف: أسرى وسبي وأرضون وأموال منقولة, وهذه هي الغنائم المألوفة. وفيها يقول الله تعالى: (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين). (الأنفال1)
4. الخراج: وهو ما ضرب على أراضي الكفار التي فتحت عنوة, وتركت بيد أصحابها.
5. الجزية: وهي المال المقدر المأخوذ من الذمي, إذا ما دخل في ذمة المسلمين يلتزم بأدائه إلى الدولة الإسلامية إذا أحب البقاء على دينه. وفيها يقول الله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخرولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون). (التوبة 29)
6. واردات الملكية العامة بأنواعها: وهي أموال النفط, والمعادن التي لا تنقطع, والأشياء التي طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الفرد بحيازتها كالأنهار والبحار والساحات العامة.
7. واردات أملاك الدولة: أموال الأراضي التي تستغلها الدولة أو تؤجرها, والأموال التي ليس لها مالك معين, مثل من مات من المسلمين وليس له وارث, والأموال التي تعذر معرفة أصحابها.
8. العشور: وهي ضريبة تؤخذ من الذميين والمستأمنين على أموالهم المعدة للتجارة إذا دخلوا بلاد المسلمين, ومقدارها نصف العشر على الذمي, والعشر على الحربي؛ لأنهم يأخذون على تجار المسلمين مثله إذا قدموا بلادهم. وقد روى أبو عبيد بإسناده إلى الشعبي قال: \”أول من وضع العشر في الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه\”. ويشترط فيه النصاب كما ذهب إلى ذلك الحنابلة والحنفية. أما مالك فلم يشترط ذلك.
9. خمس الركاز: وهو المعادن التي يستخرجها الأفراد من باطن الأرض كالذهب والفضة والنحاس والملح وغيرها.
10. المعدن: وهو المعادن والمواد الخام الاقتصادية التي تستخرجها الدولة من باطن الأرض, كالنفط والفوسفات واليورانيوم, وغيرها.
11. أموال الزكاة: زكاة الذهب والفضة والمعادن الثمينة, وزكاة الزروع والثمار, وزكاة الأنعام من الإبل والبقر والغنم, وزكاة عروض التجارة.
وقبل أن نودعكم مستمعينا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
أموال الزكاة:
1. توضع في حرز خاص بها من بيت المال.
2. لا تصرف إلا للأصناف الثمانية الذين ذكروا في القرآن.
3. لا يجوز أن يصرف منها شيء لغير الأصناف الثمانية، سواء أكان من شؤون الدولة، أم من شؤون الأمة.
4. يجوز للإمام صرفها على رأيه واجتهاده، لمن يشاء من الأصناف الثمانية.
5. للإمام أن يعطيها لصنف منهم أو أكثر، وله أن يعطيها لهم جميعا.
ورادات أموال الملكيات العامة:
1. توضع في مكان خاص في بيت المال، ولا تخلط بغيرها.
2. أموال الملكيات العامة مملوكة لجميع المسلمين، يصرفها الخليفة وفق ما يراه مصلحة للمسلمين حسب رأيه واجتهاده، ضمن أحكام الشرع.
3. الأموال الأخرى التي من حقوق بيت المال توضع في بيت المال مع بعضها.
4. ينفق من هذه الأموال على شؤون الدولة والأمة، وعلى الأصناف الثمانية، وعلى كل شيء تراه الدولة.
5. إن وفت هذه الأموال بحاجات الرعية كان بها، وإلا فإن الدولة تفرض ضرائب على المسلمين، لتقوم بقضاء ما يطلب منها من رعاية الشؤون.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.