أمواجُ تدفُّقِ اللَّاجئين هي نتيجةُ سياسةِ الغربِ الخارجيَّةِ المُعاديةِ للبشريَّة،
والأمةُ الإسلاميةُ هي الوحيدة التي باستطاعتها حل المشكلة!
لم تعد الحروب والمجازر في العالم الإسلامي واقعاً بعيداً يمكن تجاهله من قبل الأوروبيين الذين يريدون عيش حياة “هادئة” في أوروبا. فقد يحول ضيقُ الأفق دون رؤية البراميل المتفجرة وهجمات غاز الخردل على الأبرياء في سوريا، ولكنَّ ضيق الأفق لم يعدْ يستطيع إخفاء السفن الغارقة في المياه الأوروبية، أو الأطفال الغرقى الذين رمتهم الأمواج إلى البر، بعد محاولاتهم الفاشلة الوصول إلى الأراضي الأوروبية؟!؛ حتى الذي لا يريد أن يرى أصبح من الصعب عليه التعامي عن أَمرِ آلاف اللاجئين وهم يمشون على الأُوتُوسْترادات وسكك الحديد في المدن الأوروبية.
إن تدفق اللاجئينَ ووصولَهم إِلى أوروبا، يشكِّلُ نسبةً صغيرة جداً من أَعباءِ وعواقب ما ترتَّبَ على القصف الغربي للشرق الأوسط، وهذه حقيقة ساطعة، رغم كراهية الساسة الأوروبيين لها. وقد أضحى هذا الموضوع – تدفق اللاجئين -، موضوع الساعة، وهذا شيء طبيعي، كما أننا شاهدنا رغبة عارمة من كثير من الناس – مسلمين وغير مسلمين – لمساعدة هؤلاءِ اللاجئين. ورغم ذلك فإن هناك فراغاً جوهريّاً وأخطاء منهجية في طريقة التعامل مع مسألة اللاجئين. ونحن هنا لا نقصد السياسيين الذين أخفوا أنفسهم عجزاً وحيرة وراء جدران مؤسسات الحكم، بل نقصد افتقاد طرح الأسئلة الجوهرية والضرورية في هذه المسألة. ويمكن القول بأن التَّساؤلَ الأَكثرَ أَهمِّيةً في هذه القضية، يتم تجاهله بصفة مُتَعمَّدةٍ وشبه دائمة، وهو: ما هو السبب أصلاً لتدفق اللاجئين؟ ولماذا يعيش 60 مليون إنسان في العالم اليوم في تشرد ولجوء؟ وبدلاً من طرح هذا السؤال، نرى النقاش يدورُ حول كيفية حماية الحدود الأوروبية، وحولَ توزيع اللاجئين بشكل أكثر تنظيماً بين بلاد الاتحاد الأوروبي.
لا شكَّ في أَنَّ هذا التجاهل المتعمد لمضمون التَّساؤلاتِ الجوهرية في قضية اللاجئين، يَعُودُ سببُه إلى سعي النخبة السياسية الغربية من أَجلِ إخفاء سبب المشكلةِ الأساس عن شعوبها!.
إنَّ أزمة اللاجئين الدولية، لا تَعودُ أسبابُها إلى مشاكل في المُناخ أو إلى كوارث طبيعية. وهُنا نقولُ بأنَّهُ لا بد من إدراك سبب هذه المشكلة، كي يسهُلَ حلُّها!.
إنَّ نصف عدد اللاجئين في العالم اليوم، هم إمَّا من سوريا أو العراق أو من أفغانستان أو من الصومال. وتلك البلاد، قد تعرضت لقصف منظم من قبل الغرب، كما أن الغرب قد سعى لحماية نظام الأسد السفاح، لخوفه من سيطرة ما تُسمِّيهِ دُولُهُ “تيارات إسلامية” على دمشق ما سيُشكِّلُ تهديداً لكيانِ يهود في فلسطين.
إنَّ المُدقِّقَ في واقعِ اللاجئين في العالم، سيرى أَنَّهم إمَّا من بلاد تحاربهم الدول الغربية كالعراق ومالي – بلدان تدخلت الدنمارك فيهما عسكرياً – وإما هم من بلدانٍ ذاتِ ثرواتٍ غنيةٍ وهائلة، كانَ مارس فيها الغربُ سياسة الاستعباد الاقتصادي، ما أدى إلى نشرِ الجوعِ والفقرِ الشَّديدينِ فيها، كما في نيجيريا وغامبيا وإريتريا وكاميرون، وفي كثير من بلدان إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وعندما يصل اللاجئون بعد سفرهم الخطير إلى أوروبا التي دمرت بلادهم يُواجهون بعقبات حدودية أو خصم في المساعدة المالية أو بمعاملة غير إنسانية، كما صرح بذلك رئيس الوزراء المجري حينَ شرح وبيَّنَ سبب هذه المعاملة السيئة قائلاً: بأن اللاجئين يحملون معهم ثقافة إسلامية ما يهدد بقاء الحضارة الأوروبية. مع أن هؤلاء اللاجئين لا يشكلون واحداً في المئة من أهل الاتحاد الأوروبي… فأي حضارة ضعيفة هذه الحضارة الأوروبية؟!.
لقد ظهر الوجه الحقيقي اللئيم للمبدأ الليبرالي الرأسمالي بعدما أزيل عنه قناع “حقوق الإنسان” وغيرُهُ من الأَقنعةِ الأُخرى. وظهر كذلك أن الغرب لا يرغب في التَّعاطي الإنساني مع هذه القضيَّة، كما أَنَّهُ لا يقدر على حل مشكلة اللاجئين.
أيُّها المسلمون!
لا يخفى عليكم أنكم عشتم قروناً في ظل دولةٍ، احتضنتْ ورعتِ المُستَأمنين والمهاجرين، بغض النظر عن عقائدِهم وأَعراقِهم، من مئاتِ القرشيين الذينَ احتضنتهم الدولة الإسلامية في المدينة، إلى ال150.000 يهودي الذين فروا في نهاية القرن الخامس عشر من محاكم التفتيش الإسبانية إلى حَواضرِ الدولة الإسلامية حيثُ احتُضنوا وسُمح لهم في العيش الطبيعي من أول يوم. كما أنَّ أي مُتَصَفِّح للتَّاريخ، يقرأ بشكلٍ جليٍّ وواضح بأنَّ اليهودَ لم يجدوا أحداً يسعى في إنقاذهم من المحارق الأوروبية، سوى الدولة الإسلامية التي أرسلت سفنها في عهد السلطان بايزيد الثاني تحت إمرة الفريق الأول كمال رايس إلى إسبانيا لإنقاذهم. لقد عومل اليهود معاملة حسنة لدرجة أن حبراً يهودياً اسمه (ييتشاك سارفاتي) أرسل رسالة إلى يهود أوروبا يحثهم فيها على الذهاب نحوَ مدائنِ الخلافة الإسلاميَّةِ لأنَّها وحدَها مكانٌ لا “ينقصه شيء” ولأنه “أفضل لليهود العيش تحت حكم إسلامي من العيش تحتَ حكم صليبي” ولكن اليهود تنكروا للجميل فيما بعد وقابلوه بالعدوان!
إن القيم الإسلامية بخلاف القيم الغربية، فهيَ لا تتغير حسب المُناخ السياسي أو المصالح الآنية. إن الإسلام يُقدِّرُ حياة الإنسان إلى درجة أنه يعتبر قتل النفس الواحدة كقتل الناس جميعاً، كما قال تعالى: ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾. إن قيمة حياة الانسان لا تقدر بالدراهم أو الدنانير، كما أنه لا يليق حبس ناس أحرار في الملاعب الرياضية أو محطات القطار، أو حبسهم في السجون لمدة ثلاثة أيام وكأنهم مجرمون، فقط، لأنهم يبحثون عن الأمان من أجل أهلهم وأولادهم.
أيها المسلمون!
لقد عجزت أمم العالم في القرون الأخيرة حيالَ مواجهة الامبراطورية الغربية، ما أدى إلى هلاك أو فرار الملايين. ونحن أمة 1.7 مليار مسلم، نملك بلاداً، هي من أغنى البلدان ثروة، ونملك أهم المواقع الاستراتيجية في العالم، وأهم من هذا، لنا دين فيه نظام سياسي كاملٌ مُتَكامل، ومفصلٌ لكلِّ حوادثِ الأَيامِ والأَزمان؛ إذا طبقنا هذا النظام فسننهي السيطرة الرأسمالية على العالم. وحينها لن يفر الناس من البلاد الغنية في “العالم الثالث”، بل سيفر الناس من بلاد أوروبا الفقيرة إلى آسيا وأفريقيا الغنية في ظل دولةِ الخلافة الإسلامية، والتي وعدنا نبينا صلى الله عليه وسلم بأنها ستملأ الأرض بنور قسطها.
«إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الأَرْضَ فَأُرِيتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا» رواه مسلم.