مع الحديث الشريف
من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ
ضَحَّى خَالِي أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” تِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً مِنْ الْمَعْزِ فَقَالَ: ضَحِّ بِهَا وَلَا تَصْلُحُ لِغَيْرِكَ ثُمَّ قَالَ مَنْ ضَحَّى قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ الْإِيَامِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَقَدْ ذَبَحَ فَقَالَ إِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً فَقَالَ اذْبَحْهَا وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ”.
قَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ عَامِرٍ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ”.
جاء في فتح الباري لابن حجر:
قَوْله فِي حَدِيث الْبَرَاء” إِنَّ أَوَّل مَا نَبْدَأ بِهِ يَوْمنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّي ثُمَّ نَرْجِع فَنَنْحَر”
وَقَعَ فِي بَعْض الرِّوَايَات” فِي يَوْمنَا هَذَا نُصَلِّي” بِحَذْفِ” أَنْ” وَعَلَيْهَا شَرْح الْكَرْمَانِيّ فَقَالَ: هُوَ مِثْل” تَسْمَع بِالْمُعَيْدِيّ خَيْر مِنْ أَنْ تَرَاهُ” وَهُوَ عَلَى تَنْزِيل الْفِعْل مَنْزِلَة الْمَصْدَر، وَالْمُرَاد بِالسُّنَّةِ هُنَا فِي الْحَدِيثَيْنِ مَعًا الطَّرِيقَة لَا السُّنَّة بِالِاصْطِلَاحِ الَّتِي تُقَابِل الْوُجُوب، وَالطَّرِيقَة أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُون لِلْوُجُوبِ أَوْ لِلنَّدْبِ، فَإِذَا لَمْ يَقُمْ دَلِيل عَلَى الْوُجُوب بَقِيَ النَّدْب وَهُوَ وَجْه إِيرَادهَا فِي هَذِهِ التَّرْجَمَة. وَقَدْ اِسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ بِوُقُوعِ الْأَمْر فِيهِمَا بِالْإِعَادَةِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُود بَيَان شَرْط الْأُضْحِيَّة الْمَشْرُوعَة، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لِمَنْ صَلَّى رَاتِبَة الضُّحَى مَثَلًا قَبْل طُلُوع الشَّمْس : إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْس فَأَعِدْ صَلَاتك، وَقَوْله فِي حَدِيث الْبَرَاء” وَلَيْسَ مِنْ النُّسُك فِي شَيْء” النُّسُك يُطْلَق وَيُرَاد بِهِ الذَّبِيحَة وَيُسْتَعْمَل فِي نَوْع خَاصّ مِنْ الدِّمَاء الْمُرَاقَة، وَيُسْتَعْمَل بِمَعْنَى الْعِبَادَة وَهُوَ أَعَمُّ يُقَال فُلَان نَاسِك أَيْ عَابِد، وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي حَدِيث الْبَرَاء بِالْمَعْنَى الثَّالِث وَبِالْمَعْنَى الْأَوَّل أَيْضًا فِي قَوْله فِي الطَّرِيق الْأُخْرَى” مَنْ نَسَكَ قَبْل الصَّلَاة فَلَا نُسُك لَهُ” أَيْ مَنْ ذَبَحَ قَبْل الصَّلَاة فَلَا ذَبْحَ لَهُ أَيْ لَا يَقَع عَنْ الْأُضْحِيَّة،
أحبتنا الكرام:
يبدأ وقت ذبح الأضحية بعد صلاة العيد وكما ورد في الحديث الذي بين أيدينا فمن ذبح بعد الصلاة، كتبت له أضحية ونال ثوابها بإذن الله، فقد تأسى بالنبي واهتدى بهديه. أما من تعجل وذبح قبل الصلاة فما ضحى ولا نال أجر الأضحية وإنما هي ذبيحة كسائر الذبائح التي تذبح في باقي أيام السنة.
نعم إخوتي وأخواتي، فليست العبرة بالذبح أو التضحية بل العبرة بالتزام أحكام الله وهدي نبيه عليه أفصل الصلاة والتسليم. يقول تعالى: ((لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ))
إن العبرة الثمينة التي تتبادر للأذهان إخوتي الكرام من هذا الحديث الشريف: أن يحرص المسلم على إحسان التأسي بالرسول الكريم, والتيقن من فهم أحكام دينه الحنيف قبل أن يشرع بتنفيذ أي عمل يريد القيام به, فليس كل عمل متقبل ولا كل عبادة مجزئة، إذ لا بد من معرفة العمل المطلوب وحكمه وكيفية أدائه قبل الشروع به حتى يكون موافقاً للشرع مقبولا عند الله يستحق فاعله الأجر والثواب المترتب عليه.
فإلى من يريدون تحكيم شرع الله، ولا يعرفون الطريق الشرعي لإقامة حكم الله. لا تجازفوا بالعمل بأي طريقة دون تأن وتفكير ولا تتوسلوا بأي وسيلة كانت، دون بحث وتمحيص؛ لأن الثواب لا يحصله إلا من بحث عن الطريقة الشرعية وسار عليها متأسياً برسولنا العظيم، فعمل في صفوف حزب سياسي لإعادة الخلافة الإسلامية، الدولة التي بناها رسولنا الكريم وهدمها الكفار الملاعين فأولئك هم من أصابوا سنة الرسول واستحقوا الثواب الجزيل على ما قدموا من أعمال. أما من تهاون في تحري الطريقة، أو تسرع في فهمها، فزاغ عن الطريق السوي أو تاه في زحمتها فما يناله إلا التعب وضياع العمر، وندم حيث لا ينفع الندم.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.