مع الحديث الشريف
الإمارة
الجزء الثالث
نحييكم جميعا أيها الأحبة ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ورد عند مسلم في صحيحه رحمه الله
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَا حَدَّثَنَا حَاتِمٌ وَهُوَ ابْنُ إِسْمَعِيلَ عَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَعَ غُلَامِي نَافِعٍ أَنْ أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيَّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ جُمُعَةٍ عَشِيَّةَ رُجِمَ الْأَسْلَمِيُّ يَقُولُ: “لَا يَزَالُ الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ يَكُونَ عَلَيْكُمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ” وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: “عُصَيْبَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَفْتَتِحُونَ الْبَيْتَ الْأَبْيَضَ بَيْتَ كِسْرَى أَوْ آلِ كِسْرَى” وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: “إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ كَذَّابِينَ فَاحْذَرُوهُمْ” وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: “إِذَا أَعْطَى اللَّهُ أَحَدَكُمْ خَيْرًا فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ” وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: “أَنَا الْفَرَطُ عَلَى الْحَوْضِ”
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا الْفَرَط عَلَى الْحَوْض)
(الْفَرَط) بِفَتْحِ الرَّاء, وَمَعْنَاهُ: السَّابِق إِلَيْهِ وَالْمُنْتَظِر لِسَقْيِكُمْ مِنْهُ. وَالْفَرَط وَالْفَارِط هُوَ: الَّذِي يَتَقَدَّم الْقَوْم إِلَى الْمَاء لِيُهَيِّئ لَهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ.
يا خير أمة أخرجت للناس:-
إنه الحبيب المصطفى خير خلق الله وهادي الثقلين، هز عــروش الظالمين وفسقهم وحطم الأصنام، حمل الأمانة من ربه ومضى وكان الإمام، علم البشرية التقوى والرحمة وجاهد لنشر الحق وقال هذا حلال وذاك حرام، وأمن كل خائف لماله وعرضه ودمه.
أيها الأحبة في الله: –
الحوض موعدا لكل متظلم، الحوض موعدا لكل من لا يؤدى إليه حقه، الحوض موعدا لمن عمل لإعزاز دين الله في الأرض بالحكم بكتابه وسنة حبيبه، الحوض موعدا لمن حمل الإسلام إلى العالم كافة في ظل الخلافة، الحوض موعدا لمن حقت له الشهادة بأداء الأمانة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول للصحابة في آخر حياته: ((إني فرطٌ لكم، وأنا شهيد عليكم، وإني لأنظر إلى حوضي الآن، وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها)) صحيح البخاري.
إن الحوض، حوض نبينا صلى الله عليه وسلم، الحوض مكرمة ومنة عظيمة على رسوله في الآخرة. هو الذي قال الله فيه: “إنا أعطيناك الكوثر”، والكوثر نهر في الجنة، يصب منه ميزابان يشخبان في حوض النبي صلى الله عليه وسلم، ليواصل المؤمنون به الشرب الحسي كما شربوا في الدنيا الشرب المعنوي من الاهتداء والاقتداء به صلى الله عليه وسلم، وإلا فإنهم يذادون عنه ويطردون جزاء وفاقا … إذا خرج الناس من قبورهم، مغبرة رؤوسهم، حافية أقدامهم، عارية أجسادهم فيحشرون في الموقف، والشمس تكون قريبة من رؤوسهم، فيصيبهم من العطش ما يصيبهم، أحوج ما يكونون إلى شربة ماء يروون بها ظمأهم، فيكون هناك الحوض في أرض المحشر.
هذا الحوض الذي يكون في يوم القيامة في مكان وزمان أحوج ما يكون الناس إليه، إذ يحصل على الناس من الهم والغم والكرب والعرق والحر، ما يجعلهم في أشد الضرورة إلى الماء، فيردون حوض النبي صلى الله عليه وسلم.
وهو حوض عظيم في موقف القيامة، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأطيب ريحا من المسك، وله أواني كيسان عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا وقد دلت النصوص على أن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضا، وأن طوله مسافة شهر وعرضه مسافة شهر؛ مسافة يمشي الراكب في طوله لمدة شهر، وفي عرضه مدة شهر. الحوض دلت عليه أحاديث كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: “إن حوضي ما بين أيلة (في الشام) وعدن (في اليمن)” وفي لفظ: “إن لي حوضا كما بين أيلة وبصرى”
يرد الناس عليه (المؤمنون) فيشربون، قال عليه الصلاة والسلام: «إني فرطكم على الحوض» يعني أسبقكم، الفرط: المتقدم الذي يتقدم الركب، ويهيئ لهم ما يحتاجون، قال: «إني فرطكم» يعني: أسبقكم إلى الحوض، وأنتظركم هناك، وأستعد للقائكم «إني فرطكم على الحوض».
ويرد أناس عليه فيطردون ويذادون كما تذاد الإبل العطاش؛ لأنهم غيروا وبدلوا،ما برحوا يرجعون على أعقابهم وأحدثوا أمورا في الإسلام ليست منه.
ويقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك. وقد قال صلوات ربي وسلامه عليه: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))
وقال القرطبي رحمه الله: (إن أشدهم طرداً من خالف جماعة المسلمين، وفارق سبيله، … وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وتطميس الحق وقتل أهله وإذلالهم)
لقوله عليه الصلاة والسلام: “إنه ليؤتى برجال (إنه يرد علي أناس- في لفظ) أعرفهم ويعرفونني، فيذادون (يعني يطردون)- كما تذاد الإبل العطاش، يصرفون عطشى (يردون على الحوض عطاشا عندهم شدة ظمأ فيطردون ويذادون)، الملائكة تطردهم بالعصي “كما تذاد الإبل العطاش” فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: “يا ربّ أصحابي أصحابي” وفي لفظ: “أصيحابي أصيحابي” فيقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: “بعدا بعدا -وفي رواية سحقا سحقا – لمن غيّر بعدي”. في الصحيحين
يا خير أمة أخرجت للناس:- إن الأمر جد (إنه لقول فصل ،،،وما هو بالهزل) رحماك ثم رحماك يا رب
ماذا أعددتم للحوض؟ وماذا أعددتم للقيا الحبيب صلى الله عليه وسلم على الحوض فلنخشى يا عبد الله أن نطرد عن الحوض يوم العطش الأكبر؟ إن الحوض حرام الشرب منه لأهل الحدث والفجور؟ جددوا العهد مع الله، أن الحوض لا يرده إلا المؤمنون الصادقون؟ قال العلماء: كل من ارتد عن دين الله أو أحدث فيه بما لا يرضاه الله ولم يأذن به، فهو من المطرودين عن الحوض، وأشدهم طرداً الظلمة المسرفون في الظلم والجور، وطمس الحق وإذلال أهله، الذين لايستحون من الناس، ولا يستحون من الله.
ويقول عليه الصلاة والسلام: ((إني لكم فَرَط على الحوض، فإيّاي، لا يأتين أحدكم فيذب عني كما يذب البعير الضال، فأقول: فيم هذا؟ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول سحقاً)) رواه مسلم في صحيحه. وقال عليه الصلاة والسلام: ((إني فرطكم على الحوض، من مرّ بي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً، وليردنّ عليّ أقوام، أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم، فأقول: إنهم مني فيقال: إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً، لمن بدّل بعدي)).
أحبتي في الله:-
الحوض موعدنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم. الحوض مأوى أهل الإيمان قبل دخول الجنة. الحوض يُروى عنده الظمأى. الحوض يأمن عنده الخائفون، ويسعد عنده المحزونون. الحوض يقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وبقية الصحابة الكرام. الحوض يقف عليه سادات الأمة وعلماؤها. الحوض يرتوي منه مصلحوا الأمة ودعاتها. الحوض بداية فرح المؤمن في الآخرة، لأنه لا يرده إلا وقد نجى من هول عظيم وكرب جسيم.
أخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث النضر بن أنس عن أنس قال: سألت رسول الله أن يشفع لي؟ فقال: ((أنا فاعل. فقلت: أين أطلبك؟ قال: اطلبني أول ما تطلبني على الصراط. قلت: فإن لم ألقك؟ قال: أنا عند الميزان. قلت: فإن لم ألقك؟ قال: أنا عند الحوض)).
يا خير المرسلين وإمام المجاهدين ويا قبلة العاشقين يا خير البرية وعلم الهدى إلى يوم الدين وسبيل السائلين كن شفيعنا إذا جـــاء اليوم فمن سواك بعد الله يشفع لنا ومن غيرك الإمام، اللهم لا تحرمنا شربة هنيئة من حوض نبيك ولا تحرمنا شفاعته واجعلنا ممن ينالون شرف مرافقته في جنات النعيم، اللهم نسألك شربة هنيئة من حوض نبينا لا نظمأ بعدها أبدا، اللهم رحمة اهدِ بها قلوبنا ، اللهم صلي على سيدنا محمد في الأولين والآخرين وفى الملأ الأعلى إلى يوم الدين
احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.