“نصرت بالشباب”، ونصر الله قادم بإذن الله
45 شهيدا و5452 إصابة في فلسطين خلال 17 يوما، والعدد مرشح للزيادة في ظل غطرسة وعنجهية يهود، وتخاذل ونذالة وتآمر حكام المسلمين. ومعظم هؤلاء الشهداء والجرحى من الشباب.. نعم شباب حديثو السن، أظهرت الأحداث الأخيرة وأعداد الشهداء الذين يرتقون إلى ربهم جلّ وعلا، والصور ولقطات الفيديو التي يتم تداولها عبر مواقع وصفحات الإنترنت الشجاعة الكامنة فيهم والتي ظهرت بوضوح عندما مسَّ الأمر عقيدتهم ومقدساتهم، شباب في عمر الزهور ولدوا بعد أوسلو وقدوم ما يسمى “بالسلطة الفلسطينية”، شباب ينتمون لجيل عمل الغرب وأعوانه على تغييبهم وإبعادهم عن عقيدتهم ودينهم، على جعلهم مسخا لحضارتهم وثقافتهم وأفكارهم ومفاهيمهم العلمانية البعيدة عن الإسلام.. شكلهم، ملابسهم، قصات شعورهم، أذواقهم، اهتماماتهم، كلها تصب في تقليد تلك الحضارة.. لوثوا لهم المناهج التي كانت أصلا عقيمة ولكنها زادت فسادا، ملأوا الفضائيات ببرامج تافهة مادية مفسدة.. جندوا عشرات الجمعيات والمؤسسات لإبعادهم عن دينهم وعقيدتهم وجعلها رأسمالية علمانية.. أرسلوا البعثات والبرامج والخطط لتنفيذ كل هذا.. ساعدتهم في ذلك سلطة فاسدة متخاذلة تاجرت بالأرض والعرض والإنسان، بعد أن فرطت بالأخلاق والدين.. سنين عديدة وهم يعملون ويجدّون في إفسادهم وجعل الرأسمالية مبدأهم وإلههم الذي يلجأون إليه.. لكن ما حصل نسف كل تلك المحاولات بإذن الله، وأثبت أن عقيدة الإسلام في النفوس قوية، وعندما مس الأمر الأقصى الذي لا يمثل مكانا أو حجارة أو بناء بقدر ما يمثل عقيدة تتمثل بأهميته لنا بصفتنا مسلمين أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى رسول الله ﷺ، اندفع هؤلاء الشباب للدفاع عنه، شباب لم يتجاوز معظمهم العشرين من العمر، عمر الورود وحياتهم مليئة بالعمل والطموح لمستقبل مشرق لهم، يتركون كل فتن الدنيا ومفاتنها التي زينوها لهم سابقا، يبيعونها ويشترون الآخرة مقبلين غير مدبرين.. شباب أثبتوا أنه إن كانت العقيدة قوية يَهُنْ دونها كل شيء ويرخص لها كل غالٍ حتى الحياة.. شباب رفض الخنوع والذل رغم أنه وُلد بعد اتفاقيات الخنوع والذل! شباب صغار يستهدفهم يهود ظانين أنهم بذلك يؤجلون موعد فنائهم ودمارهم، فهم يعلمون أن هؤلاء هم رجال الغد وجنوده.. ويستهدفون الفتيات فهن صانعات الرجال وأمهات الأبطال، ولكن هيهات هيهات فقد خاب فألهم وفشلت مخططاتهم، فيومهم قريب، وحسابهم ليس ببعيد بإذن الله.
ومن ناحية أخرى رأينا شجاعة وإقدام هؤلاء الفتية والشباب الذين لم يخافوا العدو ولم يرهبوه مع أنهم عزَّل والجنود مدججون بالسلاح.. قابلوهم بصدور عارية، ولكن بهمم عالية، وهم أفراد ومقابلهم جيش مدجج بالسلاح، لكن فرائصهم مرتعدة!! فكيف لو كان هناك جيش مسلم هم جنوده؟! كيف لو كان هناك قائد لهذه الجيوش ينظم ويوجه ويخطط! فهل كان لدولة يهود أن تصمد أمامهم ساعة من زمن؟!!.. مما يجعلنا نؤكد مراراً وتكرارا أن إعادة فلسطين وتحرير الأقصى لن يكون إلا بمثل هذا الجيش وبمثل هذا القائد والذي لن يتحقق إلا إن كانت هناك دولة إسلامية قوية تحكم بالإسلام.. لن يكون إلا بخلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة..
خمسة وأربعون شهيدا خلال سبعة عشر يوما، خمسة وأربعون زهرة، خمسة وأربعون حسرة في قلوب أمهاتهم وآبائهم ومحبيهم، نعم هم بإذن الله شهداء ولا نزكي على الله أحدا، ونحن مسلمون مؤمنون بحياة آخرة بها جنات النعيم لأمثالهم، وصبْرُ الأمهات والآباء مثالٌ يحتذى وصورة مشرقة لقوة الإيمان والصبر والامتثال لقضاء الله، ولكن دموعهم المنهمرة بصمت وآهاتهم المكتومة وشوقهم لأحبائهم الذين لن يروهم يدمي القلوب، فصوت نداء الأب المكلوم لطفلته الصغيرة بأن تقوم وتصحى يرن في الآذان، ودموع الوالد الصامتة الحارقة تحرق القلب، وحرقة قلب الأمهات المغلفة بالصبر التي تقطر من كلامهن واحتسابهن أبناءهن شهداء عند مليك مقتدر تُلمس وتظهر، وصورة هديل النقية التقية وبعدها بيان وهما مسجَّيتان على الأرض بلباسهما الشرعي بعد أن قتلتهما الأيدي الغادرة ستبقى مخزونة كمثال للقهر والظلم وانعدام الأمان بغياب الحامي والراعي.. هذه الدموع والآهات وعبارات الصبر والاحتساب والدعاء على الظلمة شكلت غيمة كبيرة سوداء فوق رؤوس المتخاذلين الآثمين. غيمة تقول لكل الحكام أنهم قاتلون متآمرون خائنون، ولمن يتظاهر بالتضامن بدموعه تقول نريد جيوشكم لا دموعكم..
غيمة تقول لكل العلماء بأنهم خانوا الله ورسوله والمؤمنين، هؤلاء العلماء الذين وجب أن يكونوا ورثة الأنبياء ولكن بما يفعلونه فهم ورثة لأعوان الشيطان حيث يعينونهم عليهم، يزينون أعمال هؤلاء الحكام الفسقة الفجرة الظلمة ويساعدونهم على الفساد والإفساد بكل صوره بل ويزينونه لهم ويتصدرون بالفتاوى التي تبرر لأسيادهم خيانتهم وعمالتهم وفسقهم مثل حربهم لإخوانهم المسلمين بدل حربهم ضد أعداء الله ورسوله والإسلام، يبررون لهم تخاذلهم وعدم القيام بواجبهم في الدفاع عن فلسطين وتحريرها.. تقول لهم اتقوا الله في أمتكم وأنفسكم..
غيمة تقول لعباس وزمرته والمطبلين له في خيانته، إنك تفقد حواسك عندما لا يتعلق الأمر بأمن يهود وراحتهم، فقد رأيت النار التي أحرق بها الغاضبون ما يسمى بقبر النبي يوسف عليه السلام فأسرعت بالطلب بتشكيل لجنة تحقيق عاجلة في ذلك، لكن يبدو أنك أصبت بالعمى فلم ترَ جرائم القتل المتعمد للشهداء ولا الحرق الذي حل بعائلة الدوابشة وقبله أبو خضير، وأُصبت بالطرش فلم تسمع صوت الرصاصات الغادرة التي قتلت الشهداء بدم بارد، ولا الشتائم والتنكيل بهم، كما لم تسمع آهات الأمهات الثكالى ولا تنيهدات الآباء المفجوعين.. وأُصبت بالخرس ولم ينطق لسانك إلا بالترّهات عن ضرورة توفير قوات تواجد دولية في القدس، وأن يدك – قطعها الله ولسانك وعنقك – لا تزال ممدودة للسلام!
أما لقادة الجيوش وجنودهم فتقول تلك الغيمة: إن لم يحرك كلُّ ما يجري من إجرام، وكل ما يحصل من انتهاك للأرواح والأعراض مشاعركم وعقولكم، ويوجه بوصلتكم وأسلحتكم إلى قلب هذا العدو الغادر وأعوانه فمتى ستتحركونّ! إن لم يوقظكم ما يحصل لمسرى رسول لله ﷺ وانتهاكه ليل نهار من الأنجاس فمتى تستيقظون! أين الرجال الرجال! أين هم الذين يشتعلون إخلاصا لدينهم ولأمتهم وأعراضهم! أين هم أصحاب القرار الذين سيثأرون للأعراض ودماء الشهداء وأنات الجرحى؟! إن موقعكم هو أن تكونوا تحت قيادة خليفة قوي عادل يزيل الظلم ويحرر الأقصى وغيره من المقدسات الإسلامية الأسيرة وليس لحماية العروش والكراسي للحكام الظلمة الفاسقين.
رحم الله الشهداء ونسأله تعالى أن يتقبل شهادتهم بأن يكونوا أحياء عنده مصداقا لقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ﴾، وأنزل اللهم الصبر على أهلهم وذويهم ومحبيهم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.. وأَنِرْ يا رب عقول وقلوب أهل النصرة والمنعة على طريق التحرير الصحيح وهو أن يكونوا في جيش مسلم قوي في دولة إسلامية تحكم بشرع الله وتحمل الإسلام رسالة تنشرها بالدعوة والجهاد بعد تحرير البلاد والعباد.، ونقول لهم ألم يحن الوقت بعد؟! فكلما طال الوقت قسى القلب، ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مسلمة الشامي