إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 162)
الصرف في نقد من جنس واحد
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي ومع الحلقة الحادية والستين بعد المائة, وعنوانها: “الصرف في نقد من جنس واحد”. نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الرابعة والستين بعد المائتين من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
يقول رحمه الله: ” أما إن كان الصرف في نقد من جنس واحد، فلا يصح إلا متماثلا، ولا يصح متفاضلا، فيباع الذهب بالذهب، سواء أكان دنانير، أم حليا، أم سبائك، أم تبرا وزنا بوزن، عينا بعين، يدا بيد، لا يحل التفاضل بذلك أصلا. وكذلك تباع الفضة بالفضة دراهم، أو حليا، أو نقارا، وزنا بوزن، عينا بعين، يدا بيد، ولا يجوز التفاضل في ذلك أصلا. فالصرف في النقد الواحد جائز ويشترط فيه أن يكون مثلا بمثل، يدا بيد، عينا بعين. والصرف بين نقدين جائز، ولا يشترط فيه التماثل أو التفاضل، وإنما يشترط أن يكون يدا بيد وعينا بعين. ودليل جواز الصرف قوله عليه الصلاة والسلام: “بيعوا الذهب بالفضة، كيف شئتم، يدا بيد”. رواه الترمذي عن عبادة بن الصامت، وعن عبادة بن الصامت قال: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، إلا سواء بسواء، عينا بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى”. رواه مسلم. وروى مسلم عن أبي بكرة قال: “أمرنا، أي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن نشتري الفضة بالذهب، كيف شئنا، ونشتري الذهب بالفضة، كيف شئنا، قال: فسأله رجل فقال: يدا بيد، فقال: هكذا سمعت”. وعن مالك بن أوس الحدثان أنه قال: أقبلت أقول من يصطرف الدراهم؟ فقال طلحة بن عبيد الله وهو عند عمر بن الخطاب: أرنا ذهبك، ثم ائتنا إذا جاء خادمنا نعطك ورقك، فقال عمر: كلا والله، لتعطينه ورقه أو لتردن إليه ذهبه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الورق بالذهب ربا إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء”. (رواه الترمذي). فلا يجوز بيع الذهب بالفضة إلا يدا بيد، فإذا افترق المتبايعان قبل أن يتقابضا فالصرف باطل. قال عليه الصلاة والسلام: “الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء”. رواه البخاري وأبو داود عن عمر. وأخرج البخاري من طريق سليمان بن أبي مسلم قال: سألت أبا المنهال عن الصرف يدا بيد، فقال: اشتريت أنا وشريك لي شيئا يدا بيد ونسيئة، فجاءنا البراء بن عازب، فقال: فعلت أنا وشريكي زيد بن أرقم وسألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: “ما كان يدا بيد، فخذوه وما كان نسيئة فذروه”. وهو يدل على أن الصرف لا بد أن يكون يدا بيد. ويشترط أن يقبض المتصارفان في المجلس، ومتى انصرف المتصارفان قبل التقابض فلا بيع بينهما؛ لأن الصرف بيع الأثمان بعضها ببعض، والقبض في المجلس شرط لصحته. روى البخاري عن مالك بن أوس قال: قال صلى الله عليه وسلم: “الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء”. وقال عليه الصلاة والسلام: “بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد” رواه الترمذي. ونهى النبي عن بيع الذهب بالورق دينا، ونهى عن أن يباع غائب منها بناجز. ولذلك كان لا بد من التقابض في المجلس، فإن تفرقا قبل التقابض بطل الصرف لفوات شرطه. وإن قبض بعضه ثم افترقا بطل فيما لم يقبض، وفيما يقابله من العوض، وصح فيما قبض وفيما يقابله من العوض، لجواز تفريق الصفقة. فلو صارف رجل آخر دينارا بعشرة دراهم وليس معه إلا خمسة دراهم، لم يجز أن يتفرقا قبل قبض العشرة كلها. فإن قبض الخمسة وافترقا بطل الصرف في نصف الدينار، وصح فيما يقابل الخمسة المقبوضة، لجواز تفريق الصفقة في البيع”.
وقبل أن نودعكم مستمعينا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
نوعا الصرف:
أولا: الصرف في نقد من جنس واحد:
1. إن كان الصرف في نقد من جنس واحد، فلا يصح إلا متماثلا، ولا يصح متفاضلا.
2. الصرف في النقد الواحد جائز ويشترط فيه أن يكون مثلا بمثل، يدا بيد، عينا بعين.
ثانيا: الصرف بين نقدين متخالفين:
1. الصرف بين نقدين جائز، ولا يشترط فيه التماثل أو التفاضل.
2. يشترط في الصرف بين نقدين أن يكون يدا بيد وعينا بعين.
من الأمثلة على الصرف بين نقدين متخالفين:
1. يباع الذهب بالذهب، سواء أكان دنانير، أم حليا، أم سبائك، أم تبرا وزنا بوزن، عينا بعين، يدا بيد، لا يحل التفاضل بذلك أصلا.
2. تباع الفضة بالفضة دراهم، أو حليا، أو نقارا، وزنا بوزن، عينا بعين، يدا بيد، ولا يجوز التفاضل في ذلك أصلا.
3. أدلة جواز الصرف بنوعيه:
1) قوله عليه الصلاة والسلام: “بيعوا الذهب بالفضة، كيف شئتم، يدا بيد”.
2) عن عبادة بن الصامت قال: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، إلا سواء بسواء، عينا بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى”.
3) عن أبي بكرة قال: “أمرنا، أي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن نشتري الفضة بالذهب، كيف شئنا، ونشتري الذهب بالفضة، كيف شئنا، قال: فسأله رجل فقال: يدا بيد، فقال: هكذا سمعت”.
4) قوله عليه الصلاة والسلام: “الورق بالذهب ربا إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء”. ومعنى قوله: إلا هاء وهاء، يقول: “يدا بيد”
من أحكام بيع الذهب بالفضة:
1. لا يجوز بيع الذهب بالفضة إلا يدا بيد.
2. إذا افترق المتبايعان قبل أن يتقابضا فالصرف باطل. قال عليه الصلاة والسلام: “الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء”. وقال عليه الصلاة والسلام “ما كان يدا بيد، فخذوه وما كان نسيئة فذروه”. وهو يدل على أن الصرف لا بد أن يكون يدا بيد.
3. نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن بيع الذهب بالورق دينا.
4. نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن أن يباع غائب منها بناجز.
القبض في المجلس شرط لصحة الصرف:
1. يشترط أن يقبض المتصارفان في المجلس، فإن تفرقا قبل التقابض بطل الصرف لفوات شرطه.
2. متى انصرف المتصارفان قبل التقابض فلا بيع بينهما؛ لأن الصرف بيع الأثمان بعضها ببعض، والقبض في المجلس شرط لصحته. قال عليه الصلاة والسلام: “الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء”. وقال عليه الصلاة والسلام: “بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد”.
3. إن قبض بعضه ثم افترقا بطل فيما لم يقبض، وفيما يقابله من العوض، وصح فيما قبض وفيما يقابله من العوض، لجواز تفريق الصفقة.
مثال على الصرف الجائز والصرف غير الجائز:
1. لو صارف رجل آخر دينارا بعشرة دراهم وليس معه إلا خمسة دراهم، لم يجز أن يتفرقا قبل قبض العشرة كلها.
2. إن قبض الخمسة وافترقا بطل الصرف في نصف الدينار، وصح فيما يقابل الخمسة المقبوضة، لجواز تفريق الصفقة في البيع.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.