نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
“اللهم أيده بروح القدس”
روى مسلم في صحيحه قال: حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: عَمْرٌو حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ مَرَّ بِحَسَّانَ وَهُوَ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَحَظَ إِلَيْهِ فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَجِبْ عَنِّي اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ،
حَدَّثَنَاه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ حَسَّانَ قَالَ فِي حَلْقَةٍ فِيهِمْ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَهُجاء في شرح النووي على مسلم: قَوْله: ( إِنَّ حَسَّان أَنْشَدَ الشِّعْر فِي الْمَسْجِد بِإِذْنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
فِيهِ جَوَاز إِنْشَاد الشِّعْر فِي الْمَسْجِد إِذَا كَانَ مُبَاحًا، وَاسْتِحْبَابه إِذَا كَانَ فِي مَمَادِح الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، أَوْ فِي هِجَاء الْكُفَّار وَالتَّحْرِيض عَلَى قِتَالهمْ، أَوْ تَحْقِيرهمْ، وَنَحْو ذَلِكَ وَهَكَذَا كَانَ شِعْر حَسَّان. وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب الدُّعَاء لِمَنْ قَالَ شِعْرًا مِنْ هَذَا النَّوْع. وَفِيهِ جَوَاز الِانْتِصَار مِنْ الْكُفَّار، وَيَجُوزُ أَيْضًا مِنْ غَيْرهمْ بِشَرْطِهِ. وَرُوح الْقُدُس جِبْرِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مستمعينا الكرام
إن الشعر من وسائل الإعلام المؤثرة في الرأي العام، وقد استغله الرسول صلى الله عليه وسلم للذب عن الإسلام والمسلمين، وفضح الكفر والكافرين
روى أحمد في مسنده قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَنْزَلَ فِي الشِّعْرِ مَا أَنْزَلَ فَقَالَ: “إِنَّ الْمُؤْمِنَ يُجَاهِدُ بِسَيْفِهِ وَلِسَانِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَكَأَنَّ مَا تَرْمُونَهُمْ بِهِ نَضْحُ النَّبْلِ”.
وجاء في سير أعلام النبلاء: قال ابن سيرين كان شعراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك. أما كعب فكان يذكر الحرب يقول فعلنا ونفعل ويتهددهم، وأما حسان فكان يذكر عيوبهم وأيامهم، وأما ابن رواحة فكان يعيرهم بالكفر، وقد أسلمت دوس فرقاً من بيت قاله كعب:
نخيرها ولو نطقت لقالت قواطعهن دوساً أو ثقيفاً.
فالإعلام من الأمور المهمة للدعوة والدولة، إذ له دور كبير في التأثير على الناس، في صياغة أذواقهم وميولهم، وفي بناء معتقداتهم ومفاهيمهم وآرائهم، فقد كان كذلك في الماضي وهو اليوم أكثر تطوراً وأبعد أثرا … فمسألة استعمال الإعلام للتأثير على الناس ومن ثم على الرأي العام في المجتمعات معروفة منذ القدم، وما تغير سوى وسائله، فبينما استعمل الإنسان قديماً المخاطبة بأساليبها المتنوعة للتواصل مع الغير، والتأثير فيهم، فتحدث وروى وخطب وحاور وناقش وناظر، وقرظ الشعر فافتخر ومدح وهجا ورثى وهدد وتحدى … فقد استغل هذه الأساليب من المخاطبة من أجل التأثير على الناس، وإيجاد رأي عام لديهم على ما يطرح من قضايا وما يحمل من أفكار.
لذا فإن الإعلام في دولة الخلافة القادمة سيكون له دائرة خاصة تتبع مباشرة للخليفة
ذلك أن دولة الخلافة وهي دولة حاملة دعوة تحتاج إلى سياسة إعلامية مميزة:
1- تعرض الإسلام عرضاً قوياً مؤثراً من شأنه أن يحرك عقول الناس للإقبال على الإسلام ودراسته والتفكر فيه، ويسهل ضم البلاد الإسلامية لدولة الخلافة.
2- إن الكثير من أمور الإعلام مرتبط بالدولة ارتباطاً وثيقاً ولا يجوز نشره دون أمر الخليفة، ويتمثل ذلك في كل ما يتعلق بالأمور العسكرية، وما يلحق بها، كتحركات الجيوش، وأخبار النصر أو الهزيمة، والصناعات العسكرية.
أخبار المفاوضات والموادعات والمناظرات التي تجري بين الخليفة أو من يستنيبه وممثلي دول الكفر.
فهذه الأخبار يجب ربطها بالخليفة مباشرة ليقرر ما يجب كتمانه منها، وما يجب بثه وإعلانه. فالله تعالى يقول في سورة النساء: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}
3- أما الأخبار التي ليست ذات مساس مباشر بالدولة كالأخبار اليومية والبرامج السياسية والثقافية والعلمية والحوادث العالمية، فهي تتداخل مع وجهة النظر في الحياة في بعض أجزائها، ومع نظرة الدولة للعلاقات الدولية، ومع هذا فإن إشراف الدولة عليها يختلف عن إشرافها على النوعين السابقين.
وعليه فإن جهاز الإعلام يجب أن يحوي دائرتين رئيسيتين:
الدائرة الأولى: عملها المراقبة المباشرة للأخبار ذات المساس بالدولة كالأمور العسكرية والصناعة الحربية والعلاقات الدولية …. فلا تذاع في وسائل إعلام الدولة أو في وسائل الإعلام الخاصة إلا بعد عرضها على جهاز الإعلام.
الدائرة الثانية: مختصة بالأخبار الأخرى وتكون مراقبتها لها غير مباشرة, ولا تحتاج وسائل إعلام الدولة أو وسائل الإعلام الخاصة أي إذن في عرضها ولا تحتاج وسائل الإعلام إلى ترخيص بل لكل من يحمل تابعية الدولة الإسلامية أن ينشئ أية وسيلة إعلامية: مقروءة أو مسموعة أو مرئية. ولا يحتاج إلا إلى “علم وخبر” يُعلم جهاز الإعلام عن وسيلة الإعلام التي أنشأها… وهو يحتاج كما بينا إلى إذن في نشر الأخبار ذات المساس بالدولة. وأما الأخبار الأخرى فينشرها دون إذن مسبق بها.
ويكون صاحب الوسيلة الإعلامية مسؤولاً عن كل مادة إعلامية ينشرها، ويحاسب على أية مخالفة شرعية كأي فرد من أفراد الرعية.
وحين تقوم دولة الخلافة فإنها ستصدر قانوناً يبين الخطوط العريضة للسياسة الإعلامية للدولة وفق الأحكام الشرعية، تسير بموجبه الدولة لخدمة مصلحة الإسلام والمسلمين، وبناء مجتمع إسلامي قوي متماسك، معتصم بحبل الله، يشع الخير منه وفيه، لا مكان فيه لأفكار فاسدة مفسدة، ولا لثقافات ضالة مضلة، مجتمع إسلامي ينفي خبثه، وينصع طيبه، ويسبح لله رب العالمين. مستمعينا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.