إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 177) الفرق بين التجارتين: الداخلية والخارجية
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي, ومع الحلقة السابعة والسبعين بعد المائة, وعنوانها:
“الفرق بين التجارتين الداخلية والخارجية”. نتأمل فيها ما جاء في الصفحة السابعة والتسعين بعد المائتين من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
يقول رحمه الله: “بعد أن انتقل تعامل البيع والشراء من مبادلة المقايضة، إلى المبادلة بتوسيط النقود، ازداد النشاط التجاري بين الأفراد، وازداد تقسيم العمل بين الأفراد في البلد الواحد، وازداد تقسيمه بين الشعوب والأمم في البلدان المختلفة. وهكذا انتهى العهد الذي كان يعيش فيه الفرد لنفسه، وانتهت الأجيال التي كانت تعيش فيها كل أمة، أو كل شعب، بمعزل عن غيرها من الشعوب والأمم، وأصبحت التجارة الداخلية والخارجية من مقتضيات الحياة في العالم.
والفرق بين التجارة الداخلية، والتجارة الخارجية، أن التجارة الداخلية هي عمليات البيع والشراء بين أفراد الأمة الواحدة، وهذه ينطبق عليها أحكام البيع التي ذكرها الفقهاء، ولا تحتاج إلى أية مباشرة من الدولة، حتى ولا إشراف مباشر، وإنما تحتاج إلى إشراف عام، في إلزام الناس بأحكام الإسلام في البيع والشراء، ومعاقبة المخالفين لها، كأية عملية من عمليات المعاملات، كالإجارة، والزواج، وغير ذلك.
أما التجارة الخارجية، فهي عمليات البيع والشراء التي تجري بين الشعوب والأمم، لا بين أفراد من دولة واحدة. سواء أكانت بين دولتين، أم كانت بين فردين، كل منهما من دولة غير الأخرى، يشتري بضاعة لينقلها إلى بلاده، فهي كلها تدخل تحت سيطرة علاقة دولة بدولة. ولذلك تباشر الدولة منع إخراج بعض البضائع وإباحة بعضها، وتباشر موضوع التجار الحربيين والمعاهدين، فهي تباشر التجارة مطلقا، وتباشر موضوع التجار من غير رعاياها. أما رعاياها فيكفي الإشراف عليهم في التجارة الخارجية، كالتجارة الداخلية، إذ هم من العلاقة الداخلية.
والتجارة الخارجية كانت تنتقل بين الدول بواسطة الأفراد من التجار، فيذهب الرجل إلى بلاد أخرى ليحضر تجارة، فيقوم بشراء بضاعة ينقلها إلى بلاده. أو يأخذ هو بضاعة إلى بلاد أخرى لبيعها، حتى يحضر ثمنها لبلاده، أو يشتري بها بضاعة يحضرها لبلاده، وفي جميع الحالات، تقوم الدولة بتنظيم هذه التجارة، والإشراف عليها مباشرة.
ومن أجل ذلك وضعت مراكز لها على حدود البلاد. وهذه المراكز هي التي يسميها الفقهاء مسالح. إذ ينبغي للخليفة أن تكون له مسالح، على المواضع التي تنفذ إلى بلاد الكفار من الطرق، فيفتشون من مر بهم من التجار. فهذه المسالح على الحدود، هي التي تشرف مباشرة على التجارة التي تدخل البلاد، أو التي تخرج منها. أي من أجل الإشراف مباشرة على التجار، سواء أكانوا بائعين أم مشترين. فهي تقوم بتنظيم هذه التجارة، وتنفذ هذا التنظيم بواسطة هذه المراكز التي على الحدود. أي تقوم على تنظيم تنقل الأشخاص، والأموال الداخلة إليها، أو الخارجة منها عبر حدودها، وتشرف مباشرة على ذلك”.
وقبل أن نودعكم مستمعينا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
الانتقال من المقايضة إلى المبادلة بالنقود:
انتقل تعامل البيع والشراء من مبادلة المقايضة إلى المبادلة بتوسيط النقود فحصل ما يأتي:
1. ازداد النشاط التجاري بين الأفراد.
2. ازداد تقسيم العمل بين الأفراد في البلد الواحد.
3. ازداد تقسيمه بين الشعوب والأمم في البلدان المختلفة.
كيفية نشوء التجارة الداخلية والخارجية:
1. انتهى العهد الذي كان يعيش فيه الفرد لنفسه.
2. انتهت الأجيال التي كانت تعيش كل أمة أو كل شعب بمعزل عن غيرها من الشعوب والأمم.
3. أصبحت التجارة الداخلية والخارجية من مقتضيات الحياة في العالم.
الفرق بين التجارة الداخلية والتجارة الخارجية:
أولا: التجارة الداخلية: هي عمليات البيع والشراء بين أفراد الأمة الواحدة.
1. ينطبق عليها أحكام البيع التي ذكرها الفقهاء.
2. لا تحتاج إلى أية مباشرة من الدولة، حتى ولا إشراف مباشر.
3. تحتاج إلى إشراف عام، في إلزام الناس بأحكام الإسلام في البيع والشراء، ومعاقبة المخالفين لها، كأية عملية من عمليات المعاملات، كالإجارة، والزواج، وغير ذلك.
ثانيا: التجارة الخارجية: هي عمليات البيع والشراء التي تجري بين الشعوب والأمم، لا بين أفراد من دولة واحدة.
1. تجري بين دولتين أو بين فردين، كل منهما من دولة غير الأخرى.
2. تدخل كلها تحت سيطرة علاقة دولة بدولة.
3. تباشر الدولة منع إخراج بعض البضائع وإباحة بعضها.
4. تباشر الدولة موضوع التجار الحربيين والمعاهدين.
5. تباشر الدولة التجارة مطلقا، وتباشر موضوع التجار من غير رعاياها.
6. تكتفي الدولة بالإشراف على رعاياها في التجارة الخارجية، كالتجارة الداخلية.
نبذة تاريخية عن التجارة الخارجية:
1. كانت التجارة الخارجية تنتقل بين الدول بواسطة الأفراد من التجار.
2. كان الرجل يذهب إلى بلاد أخرى ليحضر تجارة، فيقوم بشراء بضاعة ينقلها إلى بلاده.
3. كان التاجر يأخذ بضاعة إلى بلاد أخرى لبيعها، حتى يحضر ثمنها لبلاده، أو يشتري بها بضاعة يحضرها لبلاده.
4. في جميع الحالات، تقوم الدولة بتنظيم هذه التجارة، والإشراف عليها مباشرة.
وضع مراكز للدولة “المسالح” على الحدود:
1. وضعت مراكز للدولة على حدود البلاد. هذه المراكز هي التي يسميها الفقهاء مسالح.
2. ينبغي للخليفة أن تكون له مسالح، على المواضع التي تنفذ إلى بلاد الكفار من الطرق، فيفتشون من مر بهم من التجار.
3. هذه المسالح على الحدود، هي التي تشرف مباشرة على التجارة التي تدخل البلاد، أو التي تخرج منها.
4. تقوم هذه المسالح بتنظيم التجارة، وتنفذ التنظيم بواسطة هذه المراكز التي على الحدود.
5. أي تقوم على تنظيم تنقل الأشخاص، والأموال الداخلة إليها، أو الخارجة منها عبر حدودها، وتشرف مباشرة على ذلك.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.