إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 179) التجارة الخارجية مع دار الحرب ومع المعاهدين
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي, ومع الحلقة التاسعة والسبعين بعد المائة, وعنوانها: “التجارة الخارجية مع دار الحرب ومع المعاهدين”. نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الثلاثمائة من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
يقول رحمه الله: “هذا بالنسبة للتجارة مع دار الحرب المحاربة حكما، أما لو كانت دار الحرب محاربة فعلا (كإسرائيل)، فإنه لا تجوز التجارة معها، لا في سلاح، ولا في طعام، ولا في غيره، لأن في كل ذلك تقوية لها على الصمود ضد المسلمين، فيكون معاونة على الإثم والعدوان فيمنع.
هذا بالنسبة لإخراج التجارة من البلاد، أما بالنسبة لإدخال التجارة إلى البلاد، فإن قوله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) عام يشمل التجارة الداخلية والتجارة الخارجية، ولم يرد نص يمنع المسلم أو الذمي من إدخال المال للبلاد، بل يبقى نص الحل على عمومه. وعليه يجوز للمسلم أن يدخل التجارة للبلاد، مهما كان نوعها، ولا يمنع من إدخال كل مال يجوز للمسلم أن يملكه، وكل بضاعة يجوز للفرد أن يملكها، دون أي حاجز.
أما المعاهدون، فإنهم يعاملون في التجارة الخارجية بحسب نصوص المعاهدة المعقودة معهم، سواء أكان ذلك في البضاعة التي يخرجونها من بلادنا، أم البضاعة التي يدخلونها لبلادنا. إلا أنهم لا يمكنون من أن يشتروا من بلادنا السلاح، وكل ما يستعان به على الحرب، ولو اشتروا ذلك لا يمكنون من إخراجه من بلادنا؛ لأن ذلك إعانة لهم، وهم وإن كانوا معاهدين، فإنهم لم يخرجوا عن كونهم يمكن أن يكونوا محاربين، إلا أن يكون ذلك مما لا يعتبر إعانة لهم، كأن كانت مصلحة المسلمين في تسليحهم بسلاح معين لا يؤثر، ولا يصل إلى درجة الإعانة؛ لأن منع بيع السلاح، وما شاكله مما يستعان به في الحرب، هو لعلة عدم إمداد العدو وإعانته، فإذا عدمت العلة عدم الحكم.
أما الحربيون فهم كل من ليس بيننا وبينهم معاهدات، وليسوا من رعايا الدولة الإسلامية، سواء أكانت حالة الحرب بيننا وبينهم قائمة، أم لم تكن، فهم يعتبرون بالنسبة للمسلمين حربيين. إلا أنه إن كانت حالة الحرب بيننا وبينهم قائمة بالفعل، فيعتبرون كاعتبار من نشتبك معهم في معركة، نأخذ أسراهم، ونقتل من نظفر به، إن لم يكن أعطي أمانا، ونستحل أموالهم. وإن لم تكن حالة الحرب قائمة بالفعل، فإنه لا يحل منهم شيء، إلا من دخل بلادنا بغير أمان، سواء دخل هو أم ماله، فيعتبر هو اعتبار الحربي، ويعتبر ماله أنه مال حربي.
وقبل أن نودعكم مستمعينا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
حكم الإسلام في التجارة مع دار الحرب فعلا:
أولا: إخراج التجارة من البلاد:
1. دار الحرب المحاربة فعلا كإسرائيل مثلا, لا تجوز التجارة معها، لا في سلاح، ولا في طعام، ولا في غيره.
2. كل ما فيه تقوية للأعداء على الصمود ضد المسلمين يمنع لأنه معاونة على الإثم والعدوان.
ثانيا: إدخال التجارة إلى البلاد:
1. إن قوله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) عام يشمل التجارة الداخلية والتجارة الخارجية.
2. لم يرد نص يمنع المسلم أو الذمي من إدخال المال للبلاد، بل يبقى نص الحل على عمومه.
3. لذلك يجوز للمسلم أن يدخل التجارة للبلاد، مهما كان نوعها، ولا يمنع من إدخال كل مال يجوز للمسلم أن يملكه، وكل بضاعة يجوز للفرد أن يملكها، دون أي حاجز.
التجارة الخارجية مع المعاهدين:
1. يعاملون في التجارة الخارجية بحسب نصوص المعاهدة المعقودة معهم، سواء أكان ذلك في البضاعة التي يخرجونها من بلادنا، أم البضاعة التي يدخلونها لبلادنا.
2. لا يمكنون من أن يشتروا من بلادنا السلاح، وكل ما يستعان به على الحرب.
3. لو اشتروا ما يستعان به على الحرب لا يمكنون من إخراجه من بلادنا؛ لأن ذلك إعانة لهم.
4. المعاهدون وإن كانوا معاهدين، فإنهم لم يخرجوا عن كونهم يمكن أن يكونوا محاربين.
5. إن كانت مصلحة المسلمين في تسليحهم بسلاح معين لا يؤثر، ولا يصل إلى درجة الإعانة, فلا بأس في ذلك.
6. إن منع بيع السلاح، وما شاكله مما يستعان به في الحرب، هو لعلة عدم إمداد العدو وإعانته، فإذا عدمت العلة عدم الحكم.
من هم الحربيون وكيف يتعامل المسلمين معهم:
1. الحربيون: هم كل من ليس بيننا وبينهم معاهدات، وليسوا من رعايا الدولة الإسلامية، سواء أكانت حالة الحرب بيننا وبينهم قائمة، أم لم تكن.
2. إن كانت حالة الحرب بيننا وبينهم قائمة بالفعل، فيعتبرون كاعتبار من نشتبك معهم في معركة، نأخذ أسراهم، ونقتل من نظفر به، إن لم يكن أعطي أمانا، ونستحل أموالهم.
3. إن لم تكن حالة الحرب قائمة بالفعل، فإنه لا يحل منهم شيء، إلا من دخل بلادنا بغير أمان، سواء دخل هو أم ماله، فيعتبر هو اعتبار الحربي، ويعتبر ماله أنه مال حربي.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.