بدايةً فإن موضوع طلب النصرة، وهو الوصول إلى السلطة عن طريق أهل القوة والمنعة، لا يجب أن تتم مناقشته على أساس اعتباره الاستراتيجية المثلى أم لا؟ وإنما يجب أن يكون الموضوع هل هذا الحكم الشرعي ملزم أم لا؟ فإنه كثيراً ما يبني “إسلاميون” طريقتهم التي يسلكونها ويبررونها بمرجعية إسلامية، على أساس أنها الاستراتيجية المثلى والوسيلة المتاحة سياسياً.
لقد بين الأصوليون أن فعل النبي عليه الصلاة والسلام هو حكم شرعي عندما يتعلق بآية تشريع في القرآن (آيات الأحكام). لذا فإن العلماء عند تفسيرهم للعلاقة بين القرآن والسنة يعرّفون السنة بأنها الأفعال التي تبين ما جاء في القرآن مجملا. إن طلب الرسول r للنصرة هو مثال واضح على هذا. روى ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري في شرح صحيح البخاري عن ابن عباس أن علي بن أبي طالب قال: (لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ نَبِيّه أَنْ يَعْرِض نَفْسَه عَلَى قَبَائِل الْعَرَب، خَرَجَ وَأَنَا مِنْهُ وَأَبُو بَكْر إِلَى مِنًى، حَتَّى دَفَعَنَا إِلَى مَجْلِس مِنْ مَجَالِس الْعَرَب).
لقد أصر النبي عليه الصلاة والسلام على هذا الفعل بالذات بالرغم من الأذى والاضطهاد الذي تعرض له. في الواقع فإن إصرار النبي r على فعل يجلب الأذى هو دليل على وجوبه لأن إحدى القواعد الخمس الفقهية الثابتة تنص على أن الضرر يزال فقط إذا كان الضرر أو المشقة غير مرتبط ارتباطاً جوهرياً مع الحكم الشرعي نفسه، ومثال ذلك إذا جُرح مسلم خلال القتال أو إذا عطش أثناء الصيام وهكذا. بمعنى آخر، لو لم يكن طلب النصرة بهذه الطريقة ملزمًا لما أصر عليه النبي r مع ما جلبه من ضرر وأذى.
وعليه فإن الزعم بأن هذا الفعل من النبي عليه الصلاة والسلام (وهو طلب النصرة) ليس ملزماً شرعاً يتطلب تخصيصا أو قرائن وأدلة تجعله خاصًا بالنبي r أو بزمانه. وهناك انتقاد آخر لموقف حزب التحرير في طلب النصرة يقول أن هذا الفعل ليس فقط خاصًا بالنبي r ولكنه أيضاً خاص بالظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية التي عاش فيها r. لكن هذه الآراء قد فشلت في التفريق بين الحقيقة الثابتة والأبدية أن جميع المجتمعات مبنية على السلطة من جانب، وبين كيف كان التعامل مع هذه السلطة في عهد النبي r من جانب آخر. وبمعنى آخر فإن الحكم الشرعي يعالج واقعا ثابتا وهو ما تشترك فيه جميع المجتمعات بغض النظر عن الزمان أو المكان، بينما تطبيق الحكم الشرعي هو الذي يتعلق بالظروف.
من ناحية أخرى من المهم أن نوضح أن الشرع باعتباره إرادة الله سبحانه وأوامره، يعالج واقع الإنسان والمجتمع. وتحديداً إعطاء أحكام شرعية للخصائص الدائمية للإنسان والمجتمع. لذا فإن النقاش حول ما هو “عملي” لا يمكن أن ينفصل عن مناقشة ما الذي يجب علينا فعله.
إن موضوع طلب النصرة هو مثال على كيفية مخاطبة الشرع للبعد المجتمعي وهو طبيعة السلطة. إن وجهة النظر التقليدية كانت أن السلطة السياسية يحافظ عليها من قبل وحدة متجانسة واحدة. لذا فإنك إذا أردت أن تأخذ السلطة فإنه يجب عليك القضاء على تلك الوحدة المتجانسة أو إزاحتها ومن ثم ظهور وحدة متجانسة مكانها (قوة جديدة). ولكن وجهة النظر هذه تفشل في التعرف على طبيعة القوة التعددية في المجتمع، على سبيل المثال حقيقة أن القوة متفرقة من خلال أقطاب الدعم وليست متركزة بالكامل بيد قطب واحد. ويعرف العالم المشهور في التغيير السياسي جين شارب ركائز الدعم على أنها “مؤسسات وفئات المجتمع التي تمد النظام القائم بمصادر القوة اللازمة للسيطرة والتوسع بقدراتها”. وبأخذ هذا بعين الاعتبار يرتفع إلى الصدارة هذا التعريف الأكثر حيوية بكثير للقوة السياسية وهي جميع الوسائل والمؤثرات والضغوطات بما فيها السلطة والعقوبات والجوائز المتاحة لتحقيق أهداف صاحب القوة. ومن وجهة نظر استراتيجية هذا يعني أن من يسعون لقلع “الدولة” يجب أن يعملوا على سحب ركائز الدعم من مركز القوة وليست باتجاهها (مثل القيام بأعمال تمردية).
من المهم الآن أن نفهم أن هناك وظائف مختلفة للقوة التي تمارسها كل ركيزة بشكل متميز. على سبيل المثال فإن المؤسسات الدينية والإعلام تملك قوة ردع، وعند الاستيلاء على السلطة يجب أن نتعرف على ركائز الدعم التي تمتلكها كل من الوظائف وقدرتها على إحداث الانتقال المؤسساتي الجذري. في عالم العرب والمسلمين المعاصر هذه القدرة والوظائف تسيطر عليها الأجهزة العسكرية. وهذا يعني أنه ومع تشتت القوة إلا أنها تبقى مركزة في كيان واحد أكثر من غيره. بالإضافة إلى أن الموضوع ليس متعلقًا فقط بالقدرة المادية على إحداث التغيير الجذري ولكن أيضاً الاستعداد والرغبة لذلك.
ليس كافيًا إحداث انقلاب يحافظ وينعش صفات نظام الحكم الظالم نفسه الذي يسعى الحزب لاقتلاعه. فالذي يسعى إليه الحزب هو التغيير الجذري. وغالبا ما يسمى هذا “بالانقلاب الثوري” كما حدث في مصر عام 1952 ضد الملكية وفي تونس عام 1957 وفي اليمن عام 1962 وهكذا. وبطبيعته فإن طلب النصرة يتوقف على القدرة على كسب أهل القوة للقيام بانتقال فكري شامل، والذي من شأنه أن يسمح لهم بأن يقوموا باستخدام قوتهم لحل السلطة الحالية ومن ثم تخليهم هم عن السلطة. وهذا لن يحدث إذا كان الهدف من الانقلاب هو المصالح المادية. بكسب عناصر من الجيش تستطيع الحركة بالتالي تحويل “الحارس المحافظ والتقليدي” للكيان القائم إلى جندي لحل هذا الكيان؛ وهو ما لا يمكن المبالغة بآثاره الاستراتيجية.
منذ نشأته وضح حزب التحرير الملامح الدائمية للمجتمع وعرف الفرق بين “السلطة” وهي (القوة المستقلة) وبين القوة الغاشمة (القوة التابعة). ولقد تبنى منذ البداية طلب النصرة باعتباره أمراً ملزمًا وأنه الوسيلة المثلى للاستيلاء على السلطة. ولا يسعى الحزب إلى “بناء القوة” مدعياً أن الأمة تفتقد إلى وسائل القوة، ولكنه يقر بحقيقة استراتيجية أساسية وهي أننا نفتقد إلى القدرة على الوصول إلى وسائل القوة الموجودة من مثل الجيوش والموارد الطبيعية في العالم الإسلامي.
ومن هنا فإننا ندعو وسنستمر بدعوة المخلصين من أهل القوة والمنعة في العالم الإسلامي لتبني دعوة حزب التحرير وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
علي حرفوش
2015_11_10_Art_Why_Does_Hizb_ut_Tahrir_Seek_Nussrah_from_Muslim_Armies_AR_OK.pdf