إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 181) دخول وخروج تجارة الحربي من بلاد الإسلام
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي, ومع الحلقة الحادية والثمانين بعد المائة, وعنوانها:
“دخول وخروج تجارة الحربي من بلاد الإسلام”. نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الثالثة بعد الثلاثمائة من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
يقول رحمه الله: “والحاصل أن تجارة الحربي لا يصح أن تدخل بلادنا إلا بأمان لصاحبها، ويكون أمانه أمانا لها؛ وإذا أراد الحربي إدخال تجارته من غير أن يدخل هو، فإنه يعطى الأمان لتجارته، أو لا يعطى. لأن الأمان للمال قد ينفصل عن أمان النفس. فإذا دخل الشخص الحربي بلادنا، وأعطي أمانا لنفسه، فإنه يكون أمانا له ولماله الذي معه تبعا له، ولا يكون أمانا لماله الذي لم يدخل معه دار الإسلام. فإذا خرج من دار الإسلام وأبقى ماله في دار الإسلام، فإنه يبقى الأمان لماله الذي في دار الإسلام، وينتهي الأمان الذي أعطي لنفسه.
وعلى هذا فإنه يجوز للخليفة أن يعطي الأمان لتجارة الحربي، أي لماله، أن يدخل البلاد دونه. فإن أعطي الأمان لماله، أي لتجارته، كان له أن يرسل هذه التجارة مع وكيله أو أجيره أو غير ذلك. وبهذا يتبين أن مال الحربي يحتاج دخوله إلى أمان، كالحربي سواء بسواء، وعلى ذلك فالتجارة الخارجية يحتاج دخولها إلى بلاد الإسلام إلى أمان، أي إذن من الدولة، فإن أعطي لها إذن، كان على الدولة صيانتها كسائر أموال الرعية، وإن دخلت بغير أمان، أي بغير إذن، كانت ملكا حلالا للدولة، لها أن تستولي عليها.
غير أن هذا إذا كانت هذه التجارة ملكا للتجار الحربيين، أما إذا اشتراها تاجر من رعية الدولة مسلما كان أو ذميا، ثم أراد أن يدخلها، فلا يحتاج إدخالها من قبله إلى أي إذن، ولكن ذلك مشروط فيما إذا كانت ملكه، وكانت ملكيته لها قد تمت بإتمام صفقة البيع بجميع نواحيها. أما إذا كانت ملكيته لها لم تتم، بأن كانت صفقة البيع لم تتم، بل بدئ بإجرائها، كما هي الحال في التجارة الآن، لا يعتبر التاجر ملزما إلا بعد تسلمه أوراق شحن البضاعة، أو كان قبض التجارة لم يتم بالرغم من شرائها، فإن هذه التجارة، في مثل هذه الحالة، تعتبر تجارة لحربي، ويحتاج دخولها إلى أمان، أي إذن. فإذا كان القبض يعتبر بمجرد خروجها من المصنع، أو بمجرد شحنها، كان قبضا، وتعتبر تجارة مسلم أو ذمي، وإن كان القبض يعتبر عند دخولها إلى البلاد، لم يكن قبضا، وتعتبر تجارة حربي.
هذا بالنسبة لدخول تجارة الحربي، أو دخول التاجر الحربي. أما بالنسبة لخروج تجارة الحربي من بلادنا، أي بالنسبة لشراء الحربي بضاعة من بلادنا، وإخراجها منها، فإنه ينظر: فإن كانت هذه البضاعة من المواد الاستراتيجية كالسلاح، وككل ما يستعان به في الحرب على العدو، فإنه يمنع من شرائه، ويمنع من إخراجه، وإذا اشتراه منع من حمله وإخراجه. أما المواد الأخرى، كالطعام، والمتاع، ونحوه، فإنه يسمح للحربي الذي أعطي الأمان أن يشتريها، وأن يحملها ويخرجها من بلادنا، ما لم تكن مما تحتاج إليه الرعية لقلته، فإنه حين ذلك يمنع لحاجة الرعية إليه، كما يمنع التجار المسلمون والذميون من إخراج هذه المواد التجارية، لعلة حاجة الرعية إليها”.
وقبل أن نودعكم مستمعينا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
إعطاء الأمان للتاجر الحربي:
1. تجارة الحربي لا يصح أن تدخل بلادنا إلا بأمان لصاحبها, ويكون أمانه أمانا لها.
2. إذا أراد الحربي إدخال تجارته من غير أن يدخل هو، فإنه يعطى الأمان لتجارته، أو لا يعطى.
3. الأمان للمال قد ينفصل عن أمان النفس.
4. إذا دخل الشخص الحربي بلادنا وأعطي أمانا لنفسه، فإنه يكون أمانا له ولماله الذي معه تبعا له, ولا يكون أمانا لماله الذي لم يدخل معه دار الإسلام.
5. إذا خرج الشخص الحربي من دار الإسلام وأبقى ماله في دار الإسلام، فإنه يبقى الأمان لماله الذي في دار الإسلام، وينتهي الأمان الذي أعطي لنفسه.
بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بأمان ودخول التاجر الحربي وتجارته:
1. يجوز للخليفة أن يعطي الأمان لتجارة الحربي، أي لماله أن يدخل البلاد دونه.
2. إن أعطي الأمان لماله، أي لتجارته، كان له أن يرسل هذه التجارة مع وكيله أو أجيره أو غير ذلك. مال الحربي يحتاج دخوله إلى أمان، كالحربي سواء بسواء.
3. التجارة الخارجية يحتاج دخولها إلى بلاد الإسلام إلى أمان، أي إذن من الدولة.
4. إن أعطي للتجارة إذن، كان على الدولة صيانتها كسائر أموال الرعية.
5. إن دخلت التجارة المملوكة للتجار الحربيين بغير أمان، أي بغير إذن، كانت ملكا حلالا للدولة، لها أن تستولي عليها.
6. إذا اشترى تاجر من رعية الدولة مسلما كان أو ذميا تجارة من التجار الحربيين, ثم أراد أن يدخلها فلا يحتاج إدخالها من قبله إلى أي إذن, شرط أن تكون ملكيته لها قد تمت بإتمام صفقة البيع بجميع نواحيها.
7. إذا كانت ملكيته لها لم تتم، بل بدئ بإجرائها، فإن هذه التجارة تعتبر تجارة لحربي، ويحتاج دخولها إلى أمان، أي إذن.
8. إذا كان القبض يعتبر بمجرد خروجها من المصنع، أو بمجرد شحنها، كان قبضا، وتعتبر تجارة مسلم أو ذمي.
9. إن كان القبض يعتبر عند دخولها إلى البلاد، لم يكن قبضا، وتعتبر تجارة حربي.
بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بخروج تجارة التاجر الحربي:
بالنسبة لخروج تجارة الحربي من بلادنا، أي بالنسبة لشراء الحربي بضاعة من بلادنا، وإخراجها منها، فإنه ينظر:
1. إن كانت البضاعة من المواد الاستراتيجية كالسلاح، وككل ما يستعان به في الحرب على العدو، فإنه يمنع من شرائه، ويمنع من إخراجه، وإذا اشتراه منع من حمله وإخراجه.
2. المواد الأخرى، كالطعام، والمتاع، ونحوه، فإنه يسمح للحربي الذي أعطي الأمان أن يشتريها، وأن يحملها ويخرجها من بلادنا، ما لم تكن مما تحتاج إليه الرعية لقلته.
3. إن كانت المواد مما تحتاج إليه الرعية لقلته, يمنع لحاجة الرعية إليه، كما يمنع التجار المسلمون والذميون من إخراج هذه المواد التجارية، لعلة حاجة الرعية إليها.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.