إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 182) ما يوضع على التجارة من ضرائب
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي, ومع الحلقة الثانية والثمانين بعد المائة, وعنوانها: “ما يوضع على التجارة من ضرائب”. نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الرابعة بعد الثلاثمائة من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
يقول رحمه الله: “هذا بالنسبة لخروج التجار والتجارة من بلاد الإسلام، وبالنسبة لدخول التجار والتجارة. أما بالنسبة لما يوضع على هذه التجارة من ضرائب، فإن الحكم الشرعي فيها يختلف باختلاف التجار، لا باختلاف التجارة، لأن نظرة الإسلام ليست للتجارة، من حيث كونها مالا فقط، أو من حيث منشؤها، وإنما نظرة الإسلام للتجارة، من حيث كونها مملوكة لشخص، ولذلك يختلف حكم ما يوضع عليها باختلاف التجار، بغض النظر عن منشأ التجارة، وعن نوعها.
فإذا كان التاجر من رعايا الدولة الإسلامية، مسلما كان أو ذميا، فإنه لا يوضع على تجارته شيء مطلقا، لما روى الدارمي وأحمد وأبو عبيد عن عقبة بن عامر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لا يدخل الجنة صاحب مكس”. قال أبو محمد يعني عشارا.
والعشار أو العاشر هو الذي يأخذ العشر على التجارة التي تأتي من الخارج. وعن مسلم بن المصبح: “أنه سأل ابن عمر، أعلمت أن عمر أخذ من المسلمين العشر؟ قال: لا، لم أعلمه”. وعن إبراهيم بن مهاجر قال: سمعت زياد بن حدير، يقول: “أنا أول عاشر عشر في الإسلام. قلت: من كنتم تعشرون؟ قال: ما كنا نعشر مسلما ولا معاهدا، كنا نعشر نصارى بني تغلب”. وعن عبد الرحمن بن معقل قال: سألت زياد بن حدير من كنتم تعشرون؟ قال: “ما كنا نعشر مسلما ولا معاهدا. قلت فمن كنتم تعشرون؟ قال: تجار الحرب، كما كانوا يعشروننا إذا أتيناهم”. وعن يعقوب بن عبد الرحمن القاري، عن أبيه، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة: “أن ضع عن الناس الفدية، وضع عن الناس المائدة، وضع عن الناس المكس، وليس بالمكس، ولكنه البخس الذي قال الله تعالى: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين). فمن جاءك بصدقة فاقبلها منه، ومن لم يأتك بها فالله حسيبه”. وعن كريز بن سليمان قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الله بن عوف القاري, قال “أن اركب إلى البيت الذي برفح, الذي يقال له: بيت المكس, فاهدمه، ثم احمله إلى البحر فانسفه فيه نسفا”.
روى هذه الآثار الخمسة أبو عبيد في كتاب الأموال. قال أبو عبيد: “وجوه هذه الأحاديث التي ذكرنا فيها العاشر، وكراهة المكس، والتغليظ فيه أنه قد كان له أصل في الجاهلية، يفعله ملوك العرب والعجم جميعا، فكان سنتهم أن يأخذوا من التجار عشر أموالهم إذا مروا بها عليهم. يبين ذلك ما ذكرنا من كتب النبي صلى الله عليه وسلم، لمن كتب من أهل الأمصار، مثل ثقيف، والبحرين، ودومة الجندل، وغيرهم، ممن أسلم “أنهم لا يحشرون ولا يعشرون”. فعلمنا بهذا أنه قد كان من سنة الجاهلية مع أحاديث فيه كثيرة، فأبطل الله ذلك برسوله صلى الله عليه وسلم وبالإسلام”. أي أنه كان من سنة الجاهلية أن يأخذوا العشور، أي المكوس، فأبطل الله ذلك بالإسلام. فهذا الحديث المروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والآثار المروية عن العمرين، تدل على أنه لا يؤخذ من المسلم، ولا من الذمي شيء من المكس على تجارته، لا التجارة التي يدخلها لبلاد الإسلام، ولا التجارة التي يخرجها إلى دار الحرب. وقد فعل ذلك عمر بن الخطاب، فلم يأخذ من التجار المسلمين، ولا الذميين شيئا من المكس، وأقره الصحابة على ذلك، فكان إجماعا سكوتيا، وهو دليل شرعي. والمكس هو المال الذي يؤخذ على التجارة حين تمر على حدود البلاد، فتعبرها لتخرج منها، أو لتدخل إليها. والبيت الذي يوضع على الحدود هو بيت المكس. إذ المكس في السلعة دراهم كانت تؤخذ من بائعي السلع في أسواق الجاهلية، وما يأخذه أعوان الدولة من أشياء معينة عند بيعها، أو عند إدخالها المدن، جمعه مكوس، يقال: “مكس”: جبى مال المكس، فهو إذا خاص بما يؤخذ على التجارة. والنهي عن أخذ المكس عام فيشمل الذمي والمسلم”.
وقبل أن نودعكم مستمعينا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
ما يوضع على التجارة من ضرائب:
1. ما يوضع على التجارة من ضرائب يختلف حكم الشرع فيه باختلاف التجار لا باختلاف التجارة.
2. نظرة الإسلام ليست للتجارة، من حيث كونها مالا فقط، أو من حيث منشؤها، وإنما من حيث كونها مملوكة لشخص.
3. يختلف حكم ما يوضع على التجارة باختلاف التجار بغض النظر عن منشأ التجارة وعن نوعها.
4. إذا كان التاجر من رعايا الدولة الإسلامية، مسلما كان أو ذميا، فإنه لا يوضع على تجارته شيء مطلقا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يدخل الجنة صاحب مكس”. النهي عن أخذ المكس عام فيشمل الذمي والمسلم.
تعريف المكس: هو المال الذي يؤخذ على التجارة حين تمر على حدود البلاد، فتعبرها لتخرج منها، أو لتدخل إليها.
بيت المكس: البيت الذي يوضع على الحدود هو بيت المكس.
المكس في السلعة:
1. المكس في السلعة دراهم كانت تؤخذ من بائعي السلع في أسواق الجاهلية.
2. المكس أيضا هو ما يأخذه أعوان الدولة من أشياء معينة عند بيعها، أو عند إدخالها المدن، جمعه مكوس، يقال: “مكس”: جبى مال المكس، فهو إذا خاص بما يؤخذ على التجارة.
المكس في الجاهلية والإسلام:
1. كان للمكس أصل في الجاهلية، يفعله ملوك العرب والعجم جميعا، فكان سنتهم أن يأخذوا من التجار عشر أموالهم إذا مروا بها عليهم.
2. الدليل على ذلك ما كتب النبي صلى الله عليه وسلم، لأهل الأمصار، مثل ثقيف، والبحرين، ودومة الجندل، وغيرهم، ممن أسلم: “أنهم لا يحشرون ولا يعشرون”.
3. كان من سنة الجاهلية أن يأخذوا العشور، أي المكوس، فأبطل الله ذلك بالإسلام.
4. تدل الأحاديث والآثار المروية عن العمرين على أنه لا يؤخذ من المسلم، ولا من الذمي شيء من المكس على تجارته، لا على التي يدخلها لبلاد الإسلام، ولا على التي يخرجها إلى دار الحرب.
5. فعل ذلك عمر بن الخطاب، فلم يأخذ من التجار المسلمين، ولا الذميين شيئا من المكس، وأقره الصحابة على ذلك، فكان إجماعا سكوتيا، وهو دليل شرعي.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.