إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 184) كيفية معاملة التاجر الحربي
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي, ومع الحلقة الرابعة والثمانين بعد المائة, وعنوانها: “كيفية معاملة التاجر الحربي”. نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الثامنة بعد الثلاثمائة من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
يقول رحمه الله: “وأما التاجر الحربي، فحكمه أن نأخذ منه كما تأخذ دولته من تجارنا. فإذا دخل إلينا منهم تاجر حربي بأمان، أخذنا منه مثل ما يأخذون من تجار الدولة الإسلامية، سواء أكانوا مسلمين أم ذميين. لما روي عن أبي مجلز لاحق بن حميد قال: “قالوا لعمر: كيف نأخذ من أهل الحرب إذا قدموا علينا؟ قال: كيف يأخذون منكم إذا دخلتم إليهم؟ قالوا العشر. قال: فكذلك خذوا منهم”. (ذكره ابن قدامة في المغني).
وعن زياد بن حدير قال: “ما كنا نعشر مسلما ولا معاهدا، قلت: فمن كنتم تعشرون؟ قال: تجار أهل الحرب، كما كانوا يعشروننا إذا أتيناهم”. (رواه أبو عبيد في الأموال).
وقد فعل عمر ذلك على مرأى ومسمع من الصحابة، ولم ينكر عليه أحد، بل سكتوا عن ذلك، فكان إجماعا. إلا أن الأخذ من تجار أهل الحرب مثل ما يؤخذ منا إنما هو جائز، وليس بواجب، أي هو للدولة أن تأخذ، وليس واجبا عليها أن تأخذ. بل يجوز لها أن تعفي تجارة الحربي من المكس، ويجوز لها أن تأخذ عليها مكسا أقل مما يأخذون منا، ولكن ليس لها أن تأخذ منهم أكثر مما يأخذون منا؛ لأن أخذ المكس ليس لجباية المال، وإنما هو سياسة المعاملة بالمثل، ويراعي الخليفة في ذلك مصلحة المسلمين، فعن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: “كان عمر يأخذ من النبط من الزيت والحنطة نصف العشر، لكي يكثر الحمل إلى المدينة، ويأخذ من القطنية العشر”. رواه أبو عبيد في الأموال. والعشر هو ما كانوا يأخذون من تجارنا في ذلك الوقت. وعلى ذلك فإن المكس الذي يؤخذ على تجارة الحربيين يتبع فيه ما تقتضيه مصلحة الدولة، من إعفاء أو أخذ مكس، قليل أو كثير، على أن لا يزيد ذلك عن مثل ما يأخذون من تجارنا”.
وقبل أن نودعكم مستمعينا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
ما يؤخذ من التاجر الحربي:
1. التاجر الحربي حكمه أن نأخذ منه كما تأخذ دولته من تجارنا.
2. إذا دخل إلينا منهم تاجر حربي بأمان، أخذنا منه مثل ما يأخذون من تجار الدولة الإسلامية، سواء أكانوا مسلمين أم ذميين.
التطبيق العملي لمعاملة التاجر الحربي زمن عمر بن الخطاب:
1. قالوا لعمر: كيف نأخذ من أهل الحرب إذا قدموا علينا؟ قال: كيف يأخذون منكم إذا دخلتم إليهم؟ قالوا العشر. قال: فكذلك خذوا منهم”.
2. روى أبو عبيد في الأموال عن زياد بن حدير قال: “ما كنا نعشر مسلما ولا معاهدا، قلت: فمن كنتم تعشرون؟ قال: تجار أهل الحرب، كما كانوا يعشروننا إذا أتيناهم”.
إجماع الصحابة على فعل عمر رضي الله عنه في معاملة التاجر الحربي:
1. أخذ عمر من تجار أهل الحرب كما كانوا يأخذون من تجار المسلمين, وكان ذلك على مرأى ومسمع من الصحابة، ولم ينكر عليه أحد، بل سكتوا عن ذلك، فكان إجماعا.
2. الأخذ من تجار أهل الحرب مثل ما يؤخذ منا جائز وليس بواجب.
3. يجوز للدولة أن تعفي تجارة الحربي من المكس، أو أن تأخذ عليها مكسا أقل مما يأخذون منا.
4. ليس للدولة أن تأخذ منهم أكثر مما يأخذون منا؛ لأن أخذ المكس ليس لجباية المال، وإنما هو سياسة المعاملة بالمثل.
مراعاة الخليفة لمصلحة المسلمين:
1. ينبغي أن يراعي الخليفة في أخذ المكس مصلحة المسلمين.
2. كان عمر يأخذ من النبط من الزيت والحنطة نصف العشر، لكي يكثر الحمل إلى المدينة، ويأخذ من القطنية العشر. والعشر هو ما كانوا يأخذون من تجارنا في ذلك الوقت.
3. المكس الذي يؤخذ على تجارة الحربيين يتبع فيه ما تقتضيه مصلحة الدولة، من إعفاء أو أخذ مكس، قليل أو كثير، على أن لا يزيد ذلك عن مثل ما يأخذون من تجارنا.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.