مع الحديث الشريف – شروط الأفضلية
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روى البخاري في صحيحه قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: “اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ”
وروى مسلم عن أبي ذر قال: «أوصاني خليلي r أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً مُجدَّع الأطراف» وفي رواية: «إن أُمّر عليكم عبد مُجدَّع أسود يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا»
في هذه الأحاديث الشريفة يأمرنا r بالسمع والطاعة لولي الأمر ما أقام الدين، ويشدد على السمع والطاعة له، إذ أمر به حتى لو كان ولي الأمر عبد حبشي، فهي نصوص صريحة في جواز أن يتولى أمر المسلمين عبد أسود. فليس المقصود بالعبد في الحديث الرقيق المملوك لأن العبد لا يتصور أن يكون ولياً للأمر لأنه لا يملك أمر نفسه فضلاً عن أن يملك أمر الناسوفي هذه الأحاديث أمران هامان:
الأول: أن السمع والطاعة تجب لكل أمير بداية بأمير المؤمنين، الخليفة فمن دونه من ولاة وعمال ….وغيرهم ممن يتولون أمر العامة، أو حتى من يتولون أمر فئات خاصة من مثل أمير السفر أو أمير الحزب، أو أمير الجهاد أو أمثالهم ….
الثاني: أن ولي الأمر أي الخليفة، قد يكون من أي فئة من الأمة الإسلامية، وليس محصوراً بفئة معينة من الناس أو بحسب أو نسب معين، فكل من تجتمع فيه شروط الانعقاد له حق الترشح للخلافة، وتنعقد له الخلافة إن أخذها بحقها، أما اشتراط أن يكون الخليفة من قريش أو أن يكون مجتهداً أو ماهراً في استعمال السلاح أو أي شرط آخر فهي ليست شروط انعقاد، لأن الشرط حتى يكون شرط انعقاد يلزمه أن يأتي الدليل على اشتراطه متضمناً طلباً جازماً حتى يكون قرينة على اللزوم، أي الوجوب.
فإن لم يكن الدليل متضمناً طلباً جازماً كان الشرط شرط أفضلية، لا شرط انعقاد. ولم يرد دليل فيه طلب جازم إلا سبعة شروط هي: أن يكون (1) رجلاً (2) مسلماً (3) بالغاً (4) عاقلاً (5) حراً (6) عدلاً (7) قادراً على القيام بأعباء الخلافة. لهذا كانت هذه الشروط وحدها هي شروط الانعقاد. أما ما عداها مما صح فيه الدليل فهو شرط أفضلية فقط وليس شرط انعقاد …. فيجوز أن يكون الخليفة قرشي ويجوز أن يكون عربي، ويجوز كذلك أن يكون بشتوني أو كردي أو تركي أو أمازيغي أو من أي عرق أو لون ما دامت تجتمع فيه شروط الانعقاد، واختارته الأمة لتولي أمرها فبايعته بيعة شرعية. فالرسول في هذا الحديث الشريف يأمر بطاعة ولي الأمر كائناً من كان، ما دامت قد عقدت له الخلافة ببيعة شرعية، فلم يحصره بجنس أو قبيلة أو لون ….
فيا معشر المسلمين، أين أنتم من حكم ربكم الذي لا يفرق بين قرشي وخزاعي، ولا بين عربي وأعجمي، ولا بين أسود وأحمر إلا بالتقوى ….. أفحكم ربكم خير أم الديمقراطية التي هي من وضع البشر والتي تنقلب على أهلها إن أفرزت انتخاباتها حاكما لا يوافق أهواء النخبة المضبوعة في الأمة، أو لم ترضَ عنه دول الاستكبار الغربي، حتى لو نال هذا الحاكم أصوات الأكثرية الساحقة من أبناء الأمة الذين شاركوا في العملية الديمقراطية.
أرضيتم بالذي هو أدنى من الذي هو خير؟
وصدق الله العظيم: [أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ] (سورة المائدة: 50)
فاعتبروا يا أولي الألباب.
احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.