مؤتمرات أم مؤامرات؟
الخبر:
انعقد مؤتمر الرياض للمعارضة السورية في الأيام القليلة الماضية.
التعليق:
كانت دولة الخلافة الإسلامية طوال تاريخها دولةً فاعلةً مؤثّرةً في السياسة الدولية، تخشاها دول العالم صغيرُها وكبيرُها، ولكن منذ أن تآمرت عليها الدول الاستعمارية، وتمكنت من هدمها، صارت الأمة الإسلامية منفعلةً متأثّرةً، بحكم التمزّق والتشرذم الذي آلت إليه، والبعد عن تحكيم شرعِ ربِّها سبحانه وتعالى.
لكنَّ تآمرَ الدولِ الاستعمارية على الأمة الإسلامية لم يتوقف، بل اتخذ أشكالاً استعماريةً جديدة، منها المؤتمراتُ التي تُساقُ الأمةُ إليها سَوقاً بخيانةٍ من حكامها، وجهلٍ أو خيانةٍ من حفنةٍ من أبنائها، يشاركون أعداءَ الأمةِ في التآمر على أمتهم، وتنفذ الدول الاستعمارية أهدافها الاستعمارية على الأمة الإسلامية من خلال أولئك المتآمرين (المؤتمرين)، وما أولئك المؤتمرون من حكام الأمة أو من أبنائها إلا مطايا تمتطيهم الدول الاستعمارية لتحقيق أهدافها وغاياتها، وحين انتهاء أدوارهم تتخلص منهم، ولا يدرون أنهم عندها أهون من الجعلان التي تدفع بأنفها النَّتَنْ.
إنَّ الأمةَ لم تلقَ خيراً من المؤتمرات التي شاركت فيها بعد هدم دولة الخلافة، ذلك أنّ تلك المؤتمرات كانت تتحكم فيها الدول الكبرى الاستعمارية، وكانت هي الأقوى، وكان المشاركون فيها من حكام الأمة الإسلامية أو أبنائها الطرفَ الأضعفَ الذي تُمْلَى عليه القرارات، فلم تجرَّ تلك المؤتمراتُ على الأمة إلا وَبالاً ودماراً.
ومؤتمر الرياض الأخير هو حلْقة في سلسلة التآمر على الأمة وعلى المخلصين من أبنائها، ولو لم يكن فيه إلا قبول المشاركة فيه من قبل المشاركين لكفاه خزياً وعاراً عليهم، فكيف إذا كان فيه قبول بمفاوضة نظام الطاغية الذي أهلك الحرث والنسل؟ وكيف إذا كان فيه قبول بدولة مدنية علمانية ديمقراطية؟ وكيف إذا كان فيه ما هو أبعد من ذلك من تمكين لأمريكا في سوريا؟ وكيف وكيف؟
حقٌّ على أمة الإسلام، أمةِ العزةِ والكرامةِ، أمةِ الجهادِ، أن تضربَ بيدٍ من حديد على أيدي أولئك المؤتمرين المتآمرين عليها، على الأمةِ أن تعود لسابقِ عهدها ويظهرَ فيها الرجالُ الواعون المخلصون الأبطال أمثالُ عبادةَ بن الصامتِ رضي الله عنه الذي ردّ على المقوقس حين ازدراه لسواد بشرته بقوله: “قد سمعت مقالتك، وإن فيمن خلّفت من أصحابي ألفَ رجل أسود، كلهم أشد سوادًا مني، وأفظع منظرًا، ولو رأيتهم لكنت أهيب لهم منك لي، وأنا قد وليت وأدبر شبابي، وإني مع ذلك – بحمد الله – ما أهاب مائة رجل من عدوي لو استقبلوني جميعًا، وكذلك أصحابي؛ وذلك أنَّا إنما رغبتنا وهمتنا الجهاد في الله، واتباع رضوانه، وليس غزوُنا عدوَّنا ممن حارب الله لرغبة في دنيا، ولا طلبًا للاستكثار منها، إلا أن الله قد أحل ذلك لنا، وجعل ما غنمنا من ذلك حلالاً، وما يبالي أحدنا أكان له قنطار من ذهب أم كان لا يملك إلا درهمًا، لأن غاية أحدنا من الدنيا أكلة يسد بها جوعته لليله ونهاره، وشَمْلة يتلحفها، فإن كان أحدنا لا يملك إلا ذلك كفاه، وإن كان له قنطار من ذهب أنفقه في طاعة الله، واقتصر على هذا الذي بيده، ويبلغه ما كان في الدنيا؛ لأن نعيم الدنيا ليس بنعيم، ورخاءَها ليس برخاء، وإنما النعيم والرخاء في الآخرة، وبذلك أمرنا ربُّنا، وأمرنا به نبينا، وعهد إلينا أن لا تكون همة أحدنا من الدنيا إلا ما يمسك جوعته، ويستر عورته، وتكون همته وشغله في رضاء ربه وجهاد عدوه”، فما كان من المقوقس إلى أن قال لحاشيته: “هل سمعتم مثل كلام هذا الرجل قط؟ لقد هبت منظره، وإن قوله لأهيب عندي من منظره، وإن هذا وأصحابه أخرجهم الله لخراب الأرض، وما أظن ملكهم إلا سيغلب على الأرض كلها“.
الأمةُ في عهود مجدها وعزتها تعودّت أن تصنعَ رجالاً كعبادةَ بنِ الصامت، وليس كأولئك المنتفعين القابعين في فنادق أوروبا وتركيا، ولا أولئك المتاجرين بقضايا الأمة لفتات ينالونه بتحقيق أهداف أعداء الأمة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
خليفة محمد – الأردن