جواب سؤال
الهبوط الحاد في أسعار النفط!
السؤال:
لقد تواصلت أسعار النفط بالهبوط، حتى هبط سعر البرميل دون 40 دولاراً، ولم تقم السعودية بخفض الإنتاج حتى تستقر الأسعار حيث إنها أكبر منتج بين دول أوبك، وظهر ذلك في اجتماع أوبك يوم 2015/12/4. وكذلك فإن أمريكا زادت إنتاجها بدل تخفيض الإنتاج لمقاومة انخفاض الأسعار… فما أسباب هبوط أسعار النفط؟ وجزاك الله خيراً.
الجواب:
حتى تتضح الصورة لا بد من إعادة قراءة أسعار النفط خلال العام الفائت بالتزامن مع الأحداث السياسية والمؤثرات المتعددة والمتغيرة حتى نتمكن من الوقوف على أسباب ارتفاع النفط وانخفاضه في فترات متقاربة:
1- في إبان فترة حكم عبد الله بن عبد العزيز وقبل وفاته بقليل هبطت أسعار النفط هبوطا حادا وقد فُهم هذا على أنه محاولة من بريطانيا من خلال عميلها عبد الله بن عبد العزيز لضرب المصالح الأمريكية فيما يتعلق بإنتاج أمريكا من النفط الصخري (كما ورد في جواب السؤال في 2015/1/7) وقد بقي سعر البترول في انخفاض حتى وفاة عبد الله بن عبد العزيز وتولي عميل أمريكا سلمان بن عبد العزيز الحكم في 2015/1/23، وبالرغم من إعلان وزير النفط السعودي عدم تغيير السعودية لسياستها النفطية إلا أن واقع الحال أن سعر النفط بدأ بالارتفاع التدريجي مع تولي سلمان للحكم حتى تجاوز في شهر أيار/مايو هامش 60 دولاراً وهذا ما كان متوقعاً كما ورد في جواب السؤال في 2015/1/25 حيث جاء فيه: (ويترتب على ذلك انخفاض التوتر بين أمريكا والسعودية، وقد يؤثر هذا في الحد من استمرار انخفاض أسعار النفط لأن الملك السابق ومن ورائه الإنجليز كانوا يريدون بتخفيض أسعار النفط إفشال أمريكا في الاستفادة من النفط الصخري).
2- وفي نهاية شهر حزيران/يونيو بدأت أسعار النفط بالانخفاض تدريجياً حتى وصلت في منتصف شهر آب/أغسطس إلى هامش 40 دولاراً تقريبا، وهذه الفترة من الهبوط تزامنت مع إبرام الاتفاق النووي مع إيران، ويظهر أن أمريكا سعت بتخفيض سعر النفط خلال فترة المفاوضات إلى إعانة عملائها في إيران ليتمكنوا من تقديم التنازلات المطلوبة لإبرام الاتفاق، لأن انخفاض سعر النفط يشكل ضغطاً على الاقتصاد الإيراني مما يعطي المبرر الشعبي لهذه التنازلات في ظل الضيق الاقتصادي الذي يعاني منه الناس في إيران أصلا. ثم عادت أسعار النفط إلى الارتفاع قليلا حتى نهاية شهر أيلول/سبتمبر حيث لامست 50 دولاراً.
3- ومع بداية شهر 2015/10 عادت أسعار النفط للهبوط بشكل متسارع حتى لامست 34 دولارا في 2015/12/18.. إن هذا الهبوط الحاد في أسعار النفط تختلف أسبابه عما سبق، وتوضيح ذلك على النحو التالي:
عند حدوث الأزمة المالية في أمريكا سنة 2008 اتخذت أمريكا سياسة التسهيل الكمي منذ ذلك التاريخ للخروج من الأزمة المالية التي عصفت بها، فبدأت بضخ كميات هائلة من الدولارات لإنقاذ النظام المالي وأضعفت الدولار، وبقيت متمسكة بذلك، ولكن منذ منتصف العام الماضي لاحظت أمريكا ظهور أمر أثر على سياسة التسهيل الكمي تلك، وهذ الأمر هو:
– لقد تضررت دول العالم من هذه السياسة وبخاصة الصين، حيث إن تخفيض الدولار يؤثر على رصيدها الضخم من الدولار… وبسبب هذا بدأت تظهر دعوات للتخلي عن الدولار وإعادة صياغة نظام مالي جديد، وقد ظهرت هذه الدعوة بقوة في أوروبا على لسان وزير المالية الفرنسية ميشال سابان بحسب ما ورد في الفايننشال تايمز في 2014/7/6 بعنوان: (فرنسا تطعن بهيمنة الدولار: (France hits out at dollar dominance .
وجاء فيها على لسان سابان (نحن الأوروبيون نتبايع فيما بيننا بالدولار، على سبيل المثال عندما نبيع الطائرات. هل هذا ضروري؟ لا أعتقد هذا، أعتقد أن إعادة التوازن ممكنة وضرورية، ليس فقط فيما يتعلق باليورو ولكن أيضا بالنسبة للعملات الأخرى للدول الناشئة، والتي تمثل أكثر وأكثر للتجارة العالمية… وقال للصحيفة بأنه سيثير الحاجة إلى بديل للدولار مع زملائه وزراء مالية منطقة اليورو عندما يجتمعون في بروكسل يوم الاثنين، على الرغم من أنه رفض الخوض في التفاصيل حول ما الخطوات العملية التي قد تظهر)… وتبعت الصين أوروبا، فخلال مقابلة مع وكالة أنباء (شينخوا) قال كوستين رئيس بنك “في تي بي”، ثاني أكبر بنوك الإقراض في روسيا (إن النظام المالي العالمي لا يزال خاضعا لهيمنة الدولار الأمريكي وإنه يحتاج إلى آلية أكثر تنوعا من أجل خفض الاعتماد على عملة واحدة. وقال كوستين إن الصين باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم يمكنها التعاون مع عدة دول من أجل بناء نظام جديد، مضيفا أن روسيا ستدعم قيام الصين بدور رائد على الساحة المالية الدولية). (صحيفة الشعب اليومية أونلاين الصينية في 2014/11/10).
ومع أن هذا السبب كاف بأن تترك أمريكا سياسة تخفيض الدولار إلا أنها بقيت تكابر بالاستمرار في السياسة نفسها أي تخفيض الدولار فحرصت على رفع سعر البترول لأن رفعه يؤدي إلى تخفيض سعر الدولار كما هو معروف، ومن ثم تستمر في القضاء على آثار الأزمة المالية التي لم تمح بعد وفي الوقت نفسه يزيد سعر البترول فيجعل إنتاج الزيت الصخري مجدياً بسبب ارتفاع سعر البترول ولهذا كانت زيارة كيري للسعودية في 2014/9/11 واجتماعه بالملك عبد الله مركزة على تخفيض الإنتاج لزيادة سعر البترول كما وضحنا ذلك في جوابنا المؤرخ 2015/1/7م.
– غير أن أمريكا لاحظت في الأشهر الأخيرة من هذا العام أن هذا التوجه نحو الابتعاد عن الدولار أصبح ينحو نحواً عملياً وذلك بالابتعاد عن الدولار كرصيد والشراء به ذهباً، فقد قامت الصين باستبدال الذهب بما لديها من الدولارات، حيث يوجد لديها فائض من الدولارات ما يقارب أربعة ترليونات، “فيضيف البنك المركزي الصيني لاحتياطاته شهريا ما بين 14 و 19 طنا من الذهب”. (رويترز 2015/12/1) حيث تشير معلومات غير رسمية نقلتها بعض الصحف الروسية أن الصين تسعى إلى زيادة احتياطاتها في البنك المركزي من الذهب ليصل في فترات قادمة إلى 10 آلاف طن لتسبق الولايات المتحدة التي تأتي في المرتبة الأولى حيث تمتلك 8 آلاف طن من الذهب، وقد أصبحت الصين تمتلك الآن حوالي 1700 طن من الاحتياطي الذهبي. وكذلك تقوم روسيا بشراء الذهب، وتمتلك روسيا حاليا 1275 طناً، حيث اشترت 67 طناً من الذهب خلال النصف الثاني من عام 2015… وكان هذا الأمر عبارة عن دق ناقوس الخطر على الدولار، إن ذلك يشكل خطراً كبيراً بالنسبة لأمريكا، لأن الدولار هو أحد أهم ركائز هيمنتها على العالم، فأمريكا يهمها أن يبقى الدولار العملة التي يسعر بها البترول وعملة التسويات المالية، لأن من يملك الدولار يؤثر في أسعار البترول والتجارة العالمية.
4- وهكذا اتخذت أمريكا سياسة تؤدي إلى رفع سعر الدولار أي خفض سعر النفط بإجراءات عدة:
أ- اتخاذ سياسة زيادة إنتاج النفط بكل الوسائل المتاحة ومنها:
* رفعت أمريكا وكندا إنتاجهما للنفط من نحو 10.3 مليون برميل باليوم عام 2005م إلى نحو 18 مليون برميل باليوم في العام الحالي.
* قام عملاء أمريكا في أوبيك وبخاصة السعودية وإيران والعراق بزيادة إنتاجهم من النفط:
– أما السعودية، فقد نشرت الجزيرة نت في 2015/10/10: (أبلغت المملكة العربية السعودية منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك بأنها رفعت إنتاجها من النفط في أيلول/سبتمبر الماضي بمائة ألف برميل يومياً). (العربي الجديد 2015/12/14) ويبلغ إنتاجها هذا العام نحو 10.1 مليون برميل يومياً.
– أما إيران فقد (نقلت وكالة “رويترز” عن مصدر في مجال النفط اليوم الاثنين، وهو على دراية بجدول تحميل الناقلات في الدولة العضو بمنظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” أن: “إيران في طريقها لتصدير 1.26 مليون برميل يومياً من الخام هذا الشهر. وهذا الرقم المبدئي أعلى من مستوياته قبل شهرين فقط بمقدار الربع تقريباً).
(العربي الجديد 2015/12/14). وقد توقع بعض المختصين أن تصدر فوق ذلك:
(إن رفع العقوبات الاقتصادية والسماح لإيران بتصدير نفطها – تنتج إيران حاليًا بحدود 3.7 مليون برميل يوميًا، في حين تصل صادراتها إلى حوالي 1.7 مليون برميل يوميًا – ستضاف للإنتاج العالمي، إذ بمقدور إيران زيادة إنتاجها بحدود 600 ألف برميل يوميًا مع نهاية 2015، علمًا بأن تقديرات الفائض في المعروض تتراوح بين 1.5 إلى 2 مليون برميل يوميًا). (موقع الصباح الجديد، 2015/12/9)
– وأما العراق، فقد قال فياض حسن نعمة، وكيل وزارة النفط لشؤون الاستخراج: (إن إنتاج حقل الرميلة النفطي وصل إلى نحو مليون و350 ألف برميل يوميا، مضيفا أن الوزارة تسعى إلى الارتقاء بإنتاج الحقل إلى مليونين و100 ألف برميل يوميا. وأضاف أن إنتاج الحقل في الوقت الحاضر يمثل 40 في المائة من الإنتاج العراقي من النفط… ونقلت وكالة رويترز عن تجار أن العراق خصص 3.017 مليون برميل يومياً من خام البصرة للتصدير في أيلول ارتفاعاً من 2.52 مليون برميل يومياً في الشهر السابق). (الصباح الجديد 2015/8/15)
* إلغاء الحظر على تصدير النفط الأمريكي إلى الخارج حيث (أقر مجلس النواب الأمريكي إجراء جديدا لرفع الحظر المفروض على صادرات النفط الخام منذ 40 عاما… ووقع الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، المشروع، يوم الجمعة، ليصبح قانونا). (بي بي سي 2015/12/19)… وقد عالجت أمريكا موضوع النفط الصخري حتى لا يقف في وجه سياستها الجديدة في رفع سعر الدولار وتخفيض سعر النفط فقد ترك عدد من الشركات المستثمرة في هذا القطاع، وتوقف عدد كبير من الآبار التي تزيد كلفة الاستخراج فيها عن سعر البترول، وبقيت الشركات القادرة على تحمل انخفاض الأسعار والقادرة تكنولوجياً على استعمال أساليب علمية على تخفيض تكلفة الإنتاج ثم ضاعفت قدرتها الإنتاجية حتى إن مستوى انتاج أمريكا من النفط الصخري بقي في الحدود المقبولة، وكان له أثر كبير في التصدير بعد إلغاء الحظر… جاء في تقرير وكالة الطاقة الأمريكية بحسب ما ورد في موقع ماركت رياليست (أن إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام للأسبوع المنتهي في 11 كانون الأول/ديسمبر هو ثابت تقريبا…) وقد بلغ في الشهر الحالي نحو 9.17 مليون برميل يومياً، ويعود هذا إلى أن كلفة استخراج النفط الصخري الأمريكي قد انخفضت وارتفعت إنتاجية الآبار التي بقيت تنتج بالرغم من غلق الآبار غير المجدية… وقال إيريك لي، استراتيجي البضائع في السيتي جروب: (في باكن شمال داكوتا انخفضت تكلفة التعادل إلى 20 دولاراً في بعض المقاطعات، وذكرت وزارة الدولة للموارد المعدنية في الشهر الماضي. أن إنتاج برميل النفط لا يزال مربحا في حدود 24 دولاراً في مقاطعة دن، بانخفاض عن 29 دولاراً أكتوبر الماضي). (توم دايكرستوفر في موقع “سي ان بي سي 2015/8/20”).
وهكذا فإن أمريكا وعملاءها ساهموا في زيادة الإنتاج بشكل أوجد التخمة فيه حيث أشارت بعض التقارير أنه (يوجد الآن بالأسواق فائض نفطي يقدر بحوالى 4-5 ملايين برميل باليوم)، (نقلاً عن موقع ألفا بيتا، 2015/12/15) هذا بالإضافة إلى أن الاستهلاك العالمي للنفط الذي يعد المحرك الرئيسي للطلب، شهد تراجعاً ملموسًا، إذ تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى انخفاض النمو في الناتج المحلي الإجمالي العالمي GDP من 3,4% إلى 3,3%، في ظل التباطؤ في الاقتصادات الصناعية في أوروبا واليابان، وتراجع النمو في الاقتصادات الناشئة لا سيما الصين، ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم، في ظل ما تشهده الأسواق المالية فيها من ارتباك جراء تخفيض عملتها اليوان. وجاءت مرئيات السوق نتيجة لذلك أن هناك تراجعاً في الطلب على النفط في هذه الدولة المحورية. وهكذا ترافق الفائض النفطي الكبير مع الانكماش القوي في الطلب، وكل هذا أدى إلى انخفاض حاد في أسعار النفط ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار…
ب- ثم هناك أمر آخر وهو رفع الفائدة الربوية فعلى الرغم من أن البيانات الاقتصادية الأمريكية لا تدل على تعاف حقيقي للاقتصاد الأمريكي إلا أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قد أعلن في 2015/12/16 رفع سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة، وكانت رئيسة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جانيت يالين قد أعلنت في 2015/12/3 بحسب الفايننشال تايمز (يالين تقول الدولار القوي يعني أن الزيادة في سعر الفائدة ستكون تدريجية)، وللعلم فإن الفائدة الربوية في أمريكا كانت قد خفضت إلى مستوى الصفر تقريبا وبالضبط إلى حد 0,25%. وذلك بسبب الأزمة المالية العالمية التي تفجرت في أمريكا عام 2008.
وحسب الاقتصاد الرأسمالي فإذا بقيت الفائدة الربوية متدنية فإن ذلك يدل على أن الأزمة ما زالت مستمرة وأن الاقتصاد لم يتعاف وأن هناك كساداً وتخمد حركة السوق من بيع وشراء واستثمار وتشغيل أيدٍ عاملة لأن الرأسماليين يعتمدون على الفائدة الربوية في جني الأرباح. فرفع الفائدة الربوية يزيد من أرباح البنوك والشركات ويحفز الناس على وضع أموالهم في البنوك لتستثمر أي لتحقق أرباحا، ومن ثم يوحي بأن الاقتصاد الأمريكي تغلب إلى حد كبير على تداعيات الأزمة المالية العالمية.
وفور الإعلان عن رفع الفائدة الربوية انخفضت أسعار النفط بنسبة 3%. وزيادة الفائدة الربوية تعزز الثقة بالاقتصاد الأمريكي وتعطي انطباعاً بأنه تغلب على تداعيات الأزمة المالية ليزيد تأثيرها السياسي العالمي. وقد قفزت أسعار الأسهم الأمريكية في بورصة وول ستريت بمقدار 1,28% فور الإعلان عن رفع الفائدة الربوية من قبل البنك المركزي الأمريكي. وكذلك مؤشر ستاندر أند بورز بمقدار 1,45 ومؤشر ناسداك بمقدار 1,52%…
5- ومن ثم تحققت لأمريكا الظروف المناسبة لارتفاع سعر الدولار ورفع نسبة الفائدة الربوية… علماً بأن رفع أسعار الفائدة يرفع من تكلفة الاحتفاظ بالذهب بسبب صعود قيمة الدولار فيؤدي إلى خفض سعر الذهب فتلحق ضرراً بالدول التي تسعى للاعتماد على الاحتياطي الذهبي بدلا عن الدولار. فأمريكا تريد أن تحافظ على الدولار كعملة عالمية يتعامل بها وكاحتياطي نقدي للدول بديلاً عن الذهب. وتجعل التعامل بالذهب غير مربح وجعله احتياطاً غير مُجدٍ. ولا تريد العودة لنظام الذهب ولا تريد أن يرجع العالم إلى هذا النظام الذي سيسبب أضراراً كبرى لها، لأن بعملتها الورقية التي لا تساوي الحبر الذي طبعت به تشتري ثروات العالم وتمول آلتها الحربية وجيوشها في الخارج وتشتري الذمم والدول بمدها بما يسمى بالمساعدات، وتضرب اقتصاديات الدول الأخرى وتجعل اقتصادها هو المهيمن بهيمنة الدولار على كافة الدول والمؤسسات المالية الدولية والأسواق المالية.
6- وهكذا نستطيع أن نقول إن السبب الراجح لخفض أسعار النفط يتعلق بسياسة أمريكا الداخلية والخارجية التي تهدف إلى:
أ- رفع قيمة الفائدة الربوية في داخلها، وقد أصبحت مسألة شبه مصيرية لديها، لتدلل على أنها أي أمريكا قد تخلصت من تداعيات الأزمة المالية وأن اقتصادها قوي فتزداد الثقة بها ويزداد تأثيرها السياسي على الدول.
ب- تعزيز الثقة بالدولار، وتقف في وجه المنافسات له وتحافظ على مساحة التعامل بالدولار وعلى جعله الاحتياطي النقدي لدى الدول في العالم واستدامة ربط عملتها به، وتضرب الاعتماد على الذهب وجعله كاحتياطي بديلا عن الدولار. وخاصة الصين وروسيا حيث تتجهان للتخلص من هيمنة الدولار وجعل احتياطهما النقدي يعتمد على الذهب بصورة أكبر.
7- وهكذا فإن أمريكا تتحكم في الوضع الاقتصادي الدولي وبخاصة السلع ذات التأثير مثل النفط، وكل ذلك لأن عملتها الدولار هي المقياس في البيع والشراء لهذه السلعة… إن ترك التعامل يجري بالدولار وجعله هو الذي يحدد أسعار البترول وغيره من المعادن وكل السلع المهمة لدليل على التبعية الدولية لأمريكا مباشرة أو غير مباشرة، فتنخفض الأسعار وترتفع تبعاً لدولارها وللفائدة الربوية التي يقررها بنكها المركزي، ومن ثم فإذا أصابت نزلة الاقتصاد الأمريكي فإنها تصيب بالعدوى اقتصاديات العالم كافة. إن الواجب هو التخلي عن ربط العملات المحلية بالدولار والتخلي عن جعله الاحتياطي النقدي للدول، ومن ثم الاعتماد على الذهب وبجانبه الفضة وجعلهما عملتين للتداول وشراء السلع والمنتوجات وتقدير الأجور وجعلهما الاحتياطي النقدي. ولا يمكن أن تخطو هذه الخطوة العظيمة إلا دولة الخلافة الإسلامية التي شرع الله لها الذهب والفضة نقداً لا غير، وعندها سيعود الدولار ورقة كما هو في أصله وفصله ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾.