معدلات الولادة رهينة بيد الأنظمة الوضعية
(مترجم)
الخبر:
ذكرت وكالة أنباء شينخوا أن نواب الشعب الصيني قد عدلوا القانون الصيني بحيث أصبح يُسمح للعائلات الصينية بأن يكون لديها طفلان. وقالت: “الدولة تدعم حق كل عائلة بأن يكون لديها طفلان”. وهذا القانون سيصبح ساري المفعول بحلول 1 كانون الثاني/يناير 2016. [المصدر]
التعليق:
اعتمدت القيادة الصينية سياسة “عائلة واحدة – طفل واحد” في عام 1979م عندما خلصوا إلى نتيجة مفادها أن التعداد السكاني الهائل يشكل عبئًا ضخمًا على المصادر الزراعية والمائية ومصادر الطاقة في البلاد.
ولم تشكل هذه السياسة السكانية فقط معاناة للناس في الصين بسبب حرمانهم من حقهم في التمتع بالذرية، وإنما كانت تشكل أيضًا قنبلة ديمغرافية مؤقتة عرضة للانفجار في المستقبل. فبحسب تقرير للأمم المتحدة فإن أعمار ثلث الشعب الصيني سيصبح بحلول عام 2050 أكبر من 60 عامًا، بينما كان ما نسبته 12% من السكان في عام 2010 أكبر من هذا العمر. وشيخوخة المجتمع تعقد بالفعل نظام الضمان الاجتماعي في الصين.
إن تجربة القيادة الصينية هذه في السيطرة على معدلات الولادة تذكرنا بمغامرة مماثلة تتعلق بخفض أعداد العصافير في الصين. ففي عام 1958م وتحت ذريعة أن العصافير تدمر المحاصيل الزراعية، فقد تم القضاء على أكثر من 1.96 مليار عصفور في عام واحد. ونتيجة لذلك، ارتفعت أعداد الديدان والجراد في ذلك الوقت بحيث انخفض إنتاج المحاصيل بشكل مفاجئ. وانخفاض أعداد العصافير كانت أحد أسباب المجاعة الصينية الكبرى (1959-1961).
ولم تتعظ القيادة الصينية مما حدث من تجربة خفض أعداد العصافير، فبعد 20 عامًا قررت أن تطبق تجربة مماثلة على شعبها من خلال تبني سياسة “عائلة واحدة – طفل واحد” لأكثر من 35 عامًا.
هذا هو واقع الشيوعية، أحد المبادئ التي وضعها البشر، والتي كانت وما زالت تجري تجارب على الناس لعقود فتحرمهم من حقهم الطبيعي في إنجاب وتربية أطفالهم.
وقد يقول قائل إن مثل هذه المشاكل متأصلة فقط في الشيوعية، ولكننا عندما ندرس التركيبة السكانية في أوروبا وأمريكا نستنتج أن هذه الدول الرأسمالية تعاني من حالة مشابهة وحتى أسوأ من ذلك.
نعم، لا يوجد في هذه الدول قانون يحد من عدد الأطفال في الأسرة بواحد. ولكن في هذه المجتمعات لا تحتاج مثل هذا القانون لأن الناس يمتنعون عمدًا عن إنجاب الأطفال وحتى إنهم يمتنعون عن الزواج.
إن إجمالي معدل الخصوبة في الدول الأوروبية هو أقل من 2.1، وهو أمر ضروري لتتابع وتواصل الأجيال. وأسرد هنا معدل الخصوبة الكلي لبعض البلدان الرأسمالية: فرنسا – 2.08، أمريكا – 2.06، ألمانيا – 1.42، بريطانيا – 1.90، بولندا – 1.32، إيطاليا – 1.4، أوكرانيا – 1.22، هولندا – 1.78، إسبانيا – 1.48.
وستنخفض نسبة السكان القادرين على العمل في أوروبا إلى الثلث بحلول عام 2050، وسيقل عدد السكان العاملين أو الذين يبحثون عن عمل (الناشطين اقتصاديًا) بمقدار النصف. وإذا انعدمت الهجرة الدولية فإن هذا الانخفاض سيكون أكثر من ذلك بكثير.
واليوم في أوروبا هناك 100 شخص قادر على العمل مقابل كل 25 متقاعدًا، إلا أنه في غضون 30 عامًا ستصبح هذه النسبة 1 إلى 2. وفي عام 2050 وتحت نفس معدل النشاط الاقتصادي سوف يعيل كل 100 شخص 75 متقاعدًا. ومع نسبة المواليد الكارثية هذه فإن شيخوخة السكان أمر لا مفر منه، وستؤثر صدارة الأوروبيين الأصليين.
والأشد ضررًا هو أن نعلم أن معدل المواليد على سبيل المثال في ألمانيا الشرقية الفقيرة أعلى نسبيًا من الجزء الغربي منها. وتظهر دراسات العلماء الألمان والتي نشرت في عام 2013 أن 15٪ من النساء و26٪ من الرجال تحت عمر 40 عامًا لا يرغبون بإنجاب الأطفال، بينما كانت هذه النسب قبل 10 سنوات 10٪ من النساء و12٪ من الرجال. ويفهم من هذه الأرقام أن عدم الرغبة في إنجاب الأطفال لا علاقة لها بالدعم الحكومي والازدهار الاقتصادي.
وتبين نتائج استطلاع للرأي العام أن السلوك الإنجابي يعتمد بشكل بسيط على العوامل المادية ويرتبط بشكل عام بالقيم الإنجابية الداخلية التي يتبناها المجتمع. لذلك، أدى تعميم العام للانحلال المطلق، ومفاهيم المجتمع الاستهلاكي، والشهوة والفساد إلى انخفاض معدل الولادة.
وبالتالي، فإن النهج تجاه معدل الولادة في الصين والدول الأوروبية مختلفة، ولكن النتيجة في الحالتين هي نفسها. إن ما ستواجهه هذه الدول هو الانخفاض في معدل الولادة، وشيخوخة المجتمعات، وما ينتج عن ذلك من أزمات اقتصادية وسياسية.
هذا هو جوهر الأنظمة الوضعية؛ تحرم الإنسانية من رحمة التوجيه الرباني وتقودها إلى الهلاك من خلال تطبيق تجارب ومغامرات مختلفة. والسعي لتحقيق الرخاء المادي؛ يقود المبدأ الوضعي الأول إلى الحد من معدل الولادة من خلال سن التشريعات، أما الثاني فيبني مجتمعات تعتبر الزواج وإنجاب أجيال المستقبل عقبات أمام تحقيق هذا الازدهار المادي وإشباع الغرائز.
ومما لا شك فيه، أن السبب في هذا هو عدم وجود تصور حقيقي عن الهدف من الحياة في المبدأين الرأسمالي والشيوعي. وذلك لأن وجهة النظر الصحيحة إلى الغرض من الناحية الجنسية هو إنجاب وتنشئة جيل قوي وعلى أحسن درجة من التربية والتعليم، يكون قادرًا على تنفيذ التوجيه الرباني. ووجهة النظر الصحيحة لا تحصر النظر إلى الناحية الجنسية بالإشباع الجنسي أو تحصرها بناء على النسبة بين حجم الموارد وعدد السكان.
ولذلك يمكننا القول إنه عندما يتم حرمان ما يسمى العالم المتقدم من النظرة الصحيحة تجاه الناحية الجنسية، فإنه سيواجه أزمات خطيرة تتعلق بالنواحي الديمغرافية والسياسية والاقتصادية، وهي أزمات لا يمكن معالجتها إلا من خلال إقامة الدولة الإسلامية؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، والتي ستبين وستنشر الغاية الحقيقية للحياة وستنشر القيم الأسرية المنبثقة عنها والتي تستند إلى أساس متين. يقول تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 124]
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
فضل أمزاييف
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في أوكرانيا