سؤال بسيط إلى الإعلامي المشاكس
استوقفني مقالة كتبها الإعلامي المشهور فيصل القاسم في القدس العربي بتاريخ 2016/1/1 تحت عنوان “سؤال بسيط للحالمين بالخلافة” ولدي وقفات سريعة مع المقال أكتفي من خلالها بالتعريج على بعض النقاط وسؤال لكاتب المقالة:
– بداية لا ضرر من السير مع الدكتور في الاتجاه المعاكس شريطة أن يكون الهدف واضحا وأن يكون هناك توازن ومنهجية في الطرح. فعلى سبيل المثال لا يعقل أن تكون العقبات أمام إقامة الخلافة ووعورة الطريق موضوعا للبحث دون أن تتضح الغاية أولاً. وفي حالة القضية التي طرحها د. القاسم فالسؤال المصيري للحالمين بالخلافة ليس عربات التويوتا وتحويل الدولارات والدخول للشبكة العنكبوتية بل حول القضية المصيرية للأمة ومعالجة مسألة النهضة وأسسها والسبيل إليها وما دون ذلك لا يتناسب مع جدية الموضوع.
– خصّ الدكتور حديثه بالحالمين بالخلافة مما يعني أنه يدرك أن الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي هي أمل الأمة لم تقم للآن وما زالت في علم الغيب حتى يأذن الله بالنصر. وما ذكر الآخرين ضمناً في المقالة إلا من باب التشويش على الخلافة المرتقبة وتسليط الضوء على الممارسات السلبية التي من شأنها أن تنفر الناس منها.
– لقد ذكّرني مقال د. فيصل عن الحالمين بالخلافة بخطابات المخلوعين وزبانيتهم ونهجهم المعهود في التخويف من مغبة الدخول في صراع مع الكيان الصهيوني كونه عدواً لا قبل لنا به، يملك جيشاً لا يقهر ودعما من الدول الكبرى المهيمنة.. ذكرني المقال بهمس البسطاء لبعضهم عن عسس الليل وجواسيس الأسد ومبارك وحصونهم المحصنة ورجالاتهم وعالم الأقبية السرية الذي يجعل الولدان شيبا.. ذكّرني مقاله بصناعة الخوف وذكرى الثورات المباركة التي لم تؤت أكلها بعد ولكنها نجحت في دفن الخوف وأساطيره وتركت للملايين ذكرى نسمات نقية وأرواح أبية لم تستسلم ولم تهن.. والثورة مستمرة.
– لفت انتباهي وأنا أقرأ المقال أن كاتبه خَبِر بطش نظام الأسد وبالرغم من ذلك يزعم أنه يدعم الثورة السورية المباركة بل ويدافع عن رغبة وحق السوريين في التغيير وها هي السنوات تمر والتحديات تكثر ولم يتنازل عن حق الصمود للنهاية والدفاع عن ثورة تتحالف القوى ضدها بالمال والعتاد والأقلام المأجورة.. أيؤمن الدكتور بحق 22 مليون سوري بالحلم بالتحرير ويكفر بحق أمة محمد من المغرب إلى إندونيسيا في تطبيق الشريعة؟ ولماذا لا يسمي الثوار بالحالمين وقد دمرت البلاد وشرد العباد وذاقوا الويلات؟
– وبالرغم من كل ما ذكره الدكتور من نقد للحالمين بالخلافة لم نجد في سياق المقالة أو بين ثناياها أي مشروع نهضوي يخرج الأمة من المتاهة الحالية ويكف عنها الويلات التي يسردها ليل نهار. لم نر في مقاله سوى النبرة التشكيكية المعتادة التي تتبنى فكرة إظهار التناقضات كأساس للفكر وتهمل البحث عن الحقيقة. لم يقدم الكاتب أي مخرج من الوضع الحالي الذي تعيشه الأمة بالرغم من أنه شاهد على فشل المشاريع البراغماتية وانهيار القومية العربية وضعف التحالفات التي لم تقم على روابط مبدئية وفشل الحركات الإسلامية التي تفتقر لمشروع سياسي. أخبرنا بالبديهيات ولم يقدم سوى التهكم على الحالمين بالخلافة. ونتساءل هنا، هل على المثقف أن يتابع الأحداث وينقدها فقط أم أن يقدم حلولا شافية، وهل يعمل هذا المثقف على الخروج من الأزمة أم أنه جزء من المشكلة؟ للأسف لم تقتصر نكبة الأمة في حكامها بل تجاوزتها لنخب سياسية وفكرية تكبل الناس في القاع وتحبط الهمم وتضع العدسة المكبرة لتعظم من شأن الغير وتقزم من شأن الأمة.. تتصدر للدفاع عن ثقافة الآخر وتتظاهر بأنها أكثر قدسية من البابا.
تتلاشى عيوب الغرب في أعين المضبوعين بالثقافة الغربية ويظهرونه على أنه اليوتوبيا والمجتمع المثالي الذي حقق أسمى ما وصلت إليه البشرية، يرونه كمجتمع لا يقهر ويحصرون أفكارهم في الفروقات النسبية بين واقعنا وواقعهم وتفوق العالم الأول على العالم الثالث بل ويناقضون الواقع ويستمرون من حيث انتهى فوكوياما في نهاية التاريخ. يتناسون المراجعات الفكرية والدراسات عن واقع الدول الغربية وما تعانيه من فشل في صهر الشعوب وأزمة العرقيات والضرر الإجرامي بالبيئة والفشل في معالجة الظلم الواقع على المرأة ومشكلة الخلل في توزيع الثروات التي تعرض لها بإسهاب توماس بيكيتي في كتابه الذي هز العالم وتجاهله المثقفون العرب “رأس المال في القرن الواحد والعشرين” ناهيك عن انكشاف شعارات حقوق الإنسان والقانون الدولي الانتقائي الذي حيك بمهارة ليخدم مصالح الدول الكبرى. لقد سئم العالم الأوضاع الحالية ولو وجد الخيار لما تردد الملايين في السعي نحو التغيير.
يقول د. القاسم للحالمين بالخلافة “ألا ترون أن النظام الرأسمالي لديه مفتاح واحد وباب واحد، وكل من لا يدخل من ذلك الباب يبقى في البرية خارج العالم والزمن؟!”وما أدراه لعل المفتاح الواحد للباب الواحد يُفتح من الداخل من قبل أهله كما حدث في الاتحاد السوفياتي؟.. ألا يدرك أن المستفيدين من النظام الرأسمالي بشكله الحالي لا يتجاوز عددهم 1 في المائة من السكان؛ 1% تزداد ثرواتهم وتقل ضرائبهم بينما تتزايد أعداد المصطفين في بنوك الطعام ووجبات الحساء والخبز المجانية.. أم تظنهم سيكتفون بالتشكيك حينا والتهكم حينا؟
ولعلّ أكثر ما لفت نظري في المقالة هو إقرار الكاتب بأن الخلافة هي مطلب الملايين “لا شك أن ملايين المسلمين العاديين يتوقون إلى ذلك الزمن الإسلامي الجميل الذي رفع راية الإسلام والمسلمين عالياً”. ثم استدراكه واصفا الخلافة بأنها أقرب للوهم وتهكم على هذه الرغبة وتابع كلامه بأنها أقرب “للفكر الرغبوي” و”التهريج السياسي”، هل يكمن الخلل في رغبة الملايين العاديين بأن يعيشوا تحت ظل كيان تنفيذي يطبق شرع ربهم، أم في التناقضات التي تعم العالم اليوم والديكوتومية أو التنافي بين نداء العلمانيين بالديمقراطية بحكم أنها حق الشعب في اختيار مصيره من جهة ومن جهة أخرى التطرف في حماية وثن الليبرالية والدفاع عن الحريات المزعومة؟ وعلى هذه الحال كلما اقترب الشارع الإسلامي من النداء بالخلافة وتحكيم شرع الله راودهم الخوف على قيم المجتمعات الليبرالية وقدموا تحقيق الفرد لرغباته ونزواته دون قيد أو شرط على حق الشعوب في تحقيق مصيرها والأمثلة لا تعد ولا تحصى.
لعل النقاش حول الأسس الفكرية للمبدأ الرأسمالي والتناقضات المتجذرة فيه ومدى صلاحيتها لقيادة البشر أفيد من البحث حول العقبات والواقع والمعقول حسب تصور فرد مهما علا شأنه.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
هدى محمد (أم يحيى)
2016_01_04_Art_A_simple_question_to_the_feisty_interviewer_AR_OK.pdf