اعتماد الكرملين على الوطنية
(مترجم)
الخبر:
أورد موقع كموميرسنت الروسي خبرا قال فيه إن الحكومة الروسية اعتمدت برنامجاً “للتربية الوطنية لمواطني روسيا”، لتطوير البرامج الموجهة لصغار السن في روسيا، وأضاف أن “برامج الدولة الموجهة لخلق ظروف لرفع مستوى الوحدة في المجتمع حين تحل مسائل النهوض بروسيا وإيجاد الأمن القومي. برامج الدولة موجهة إلى كل شرائح وأعمار مواطني روسيا مع المحافظة على التربية الوطنية للأطفال والشباب”.
التعليق:
مع انهيار الاتحاد السوفييتي، وجدت روسيا نفسها منهارة، فقد انهارت العقيدة الشيوعية التي بني عليها المجتمع المدني، ولم تستطع موسكو أن تعتمد لا على الاقتصاد الشيوعي ولا على النظام الأبيض لبناء الدولة. وبما أن انهيار الاتحاد السوفييتي كان نتيجة الصراع بين الرأسمالية والشيوعية، فإن الكرملين تبنى عقيدة المبدأ المنتصر.
ثم إن روسيا طبقت سياسات السوق الاقتصادية، وفي الحكم النظام الرئاسي البرلماني. صادروا آراء الناس وجعلوها ملكية لهم وسمحوا بتعدد الأحزاب والانتخابات. وقد حكموا الناس في حين أن المجتمع لم يكن جاهزاً ليتبنى الحريات الديمقراطية، مما جعل التغييرات تحمل طابعاً تفسيرياً في حين أن روسيا بقيت بدون أي أيديولوجية. فتوقف التقدم على مستوى الدولة والفرد، بل وجدت الطبقية والغربة في المجتمع.
كان من الضروري للكرملين أن يوحد الأكثرية حوله ليتمكن من تنفيذ سياساته الداخلية والخارجية معتمداً على تأييد الأكثرية له.
أما اختيار الأيديولوجية فقد انحصر في ثلاثة احتمالات، أحدها الشيوعية التي تنفي وجود الخالق وينبثق عنها نظام للحياة، فيقولون: “لا خالق ولنا أن نعيش كيفما نشاء”. والثاني الرأسمالية، أي المبدأ الذي لا ينفي وجود الخالق ولكنه يفصل الدين عن الحياة، وبمعنى آخر، يقولون: “يمكن أن يكون الخالق موجوداً ولكن لنا أن نعيش كيفما نشاء”. والثالث هو الإسلام الذي لا يقبل بالاعتراف بوجود الخالق فحسب، بل ويطلب تطبيق كافة الأحكام الشرعية، “الله واجب الوجود ويجب العيش بحسب أحكامه”.
الشيوعية غير مطروحة، وإن كان الكرملين من أجل الحفاظ على حكمه، بغض النظر عن رفعة الدولة والمجتمع، لم يكن مستعداً لتطبيق الرأسمالية بديمقراطيتها وإيجاد المجتمع المدني، ومن باب أولى تطبيق الإسلام بسبب العداء معه منذ أيام الإمبراطورية الروسية.
وبذلك فإن الكرملين ومن أجل الحفاظ على الحكم بيديه، رفض تطبيق أي مبدأ واعتمد على أفكار لا تصلح لنهضة المجتمع كالقومية والوطنية. أما القومية فقد استثنيت بسبب مظاهر تحطيم الوحدة في المجتمع ويهدد وحدة النسيج فيه، فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وجدت روسيا نفسها دولة متعددة القوميات والجمهوريات.
فبقيت الوطنية هي الرابطة الوحيدة التي تسمح للكرملين بجمع الناس حوله دون المساس بوحدة الدولة، فركزوا عليها وجعلوا برامج على أساسها للتربية لسنوات قادمة. وهذا يسمح للكرملين بالحفاظ على الحكم في يديه وإن كان يحرم المجتمع من أي تقدم أو نهضة. الوطنية هي شعور حيواني يظهر في حال وجود خطر خارجي فيتوحد الناس غرائزياً للحفاظ على النفس.
وهكذا، فبغض النظر عن الدوافع والمقومات البشرية والثروات الطبيعية لروسيا، أصبحت روسيا في حالة عدم استقرار من وجهة النظر السياسية. وإذا توقف الدعم المشاعري الوطني ولو لفترة قصيرة، فإن الدعاية لإيجاد عدو تفرغ من محتواها، ولا شيء يجمع شعوب روسيا، أو يوجد التأييد للحكومة. وفي هذه الحالة ستدخل البلد في فوضى سياسية ويتهددها خطر التمزق.
هذا مصير الذين يتبعون أهواءهم ويستمرون في ضلال الكفر، ولا يتبعون المبدأ الحق الذي أرسله الخالق. شعوب روسيا كما كل البشرية تحتاج إلى مثال يحتذى به في نهضة الدولة والمجتمع، وهذا أمر يوجده تطبيق الإسلام، ففي الإسلام نظام للحياة أرسله خالق البشر والكون كله.
قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سليمان إبراهيموف