مع الحديث الشريف
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم رب مبلغ أوعى من سامع
حدثنا مسدد قال حدثنا بشر قال حدثنا ابن عون عن ابن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قعد على بعيره وأمسك إنسان بخطامه أو بزمامه قال أي يوم هذا فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه قال أليس يوم النحر قلنا بلى قال فأي شهر هذا فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال أليس بذي الحجة قلنا بلى قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه
الشروح
قال القرطبي: سؤاله – صلى الله عليه وسلم – عن الثلاثة وسكوته بعد كل سؤال منها كان لاستحضار فهومهم وليقبلوا عليه بكليتهم، وليستشعروا عظمة ما يخبرهم عنه، ولذلك قال بعد هذا: فإن دماءكم إلخ، مبالغة في بيان تحريم هذه الأشياء، انتهى. ومناط التشبيه في قوله: “كحرمة يومكم” وما بعده ظهوره عند السامعين; لأن تحريم البلد والشهر واليوم كان ثابتا في نفوسهم، مقررا عندهم، بخلاف الأنفس والأموال والأعراض فكانوا في الجاهلية يستبيحونها، فطرأ الشرع عليهم بأن تحريم دم المسلم وماله وعرضه أعظم من تحريم البلد والشهر واليوم، فلا يرد كون المشبه به أخفض رتبة من المشبه; لأن الخطاب إنما وقع بالنسبة لما اعتاده المخاطبون قبل تقرير الشرع. ووقع في الروايات التي أشرنا إليها عند المصنف وغيره أنهم أجابوه عن كل سؤال بقولهم: الله ورسوله أعلم. وذلك من حسن أدبهم; لأنهم علموا أنه لا يخفى عليه ما يعرفونه من الجواب، وأنه ليس مراده مطلق الإخبار بما يعرفونه، ولهذا قال في رواية الباب: حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه. ففيه إشارة إلى تفويض الأمور الكلية إلى الشارع، ويستفاد منه الحجة لمثبتي الحقائق الشرعية.
مستمعينا الكرام
إن الله عندما خلق الخلق انتهى بخلق الإنسان وميزه عن سائر مخلوقاته بالعقل .. فالتكليف وُجد مع وجود العقل وعُدم بعدمه، فالله سبحانه إذا أخذ من الإنسان ما أوهب أسقط عنه ما أوجب، فلم يطلب منه تبليغ ولا تطبيق ولا حتى وعي، لكن عندما يكون الإنسان بكامل قدراته العقلية يكون مخاطبا بالأحكام الشرعية دقيقها وجليلها، ولذلك خاطب رسول الله الناس وأخبرهم بحرمة الدم والمال والعرض بيننا كإخوة في الدين، وهنا تأكيد على حرمة الدم المسلم وعندما قدم رسول الله حرمة الدم على حرمة شهر ذي الحجة وحرمة يوم النحر بالتحديد كان للتوضيح للمسلمين أن الأمر عظيم.
لكن لم ينته الأمر بل أكمل طالبا أن نبلغ من لم يسمع، ونحمل ما سمعنا من الذي بلغه لغيرنا، فأفهام الناس تتفاوت وهناك من يسمع ويشاهد ليعي وهناك من يسمع ويكرر على نفسه ليعي وهناك من يسمع ويعي حتى لو لم يشاهد، وهنا تبيان أن الخطاب لم يخرج لغير العاقل بل بقي بين من يعقل والأعقل منه ..
جعلنا الله وإياكم ممن يسمع القول فيعيه ويطبقه ويبلغه .. اللهم آمين آمين