مع الحديث الشريف
باب ما يكره من الحرص على الإمارة
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة”
الشروح
قوله: (إنكم ستحرصون) بكسر الراء ويجوز فتحها، ووقع في رواية شبابة عن ابن أبي ذئب “ستعرضون” بالعين وأشار إلى أنها خطأ.
قوله (على الإمارة) دخل فيه الإمارة العظمى وهي الخلافة، والصغرى وهي الولاية على بعض البلاد، وهذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم بالشيء قبل وقوعه فوقع كما أخبر.
قوله: (وستكون ندامة يوم القيامة) أي لمن لم يعمل فيها بما ينبغي، وزاد في رواية شبابة “وحسرة” ويوضح ذلك ما أخرجه البزار والطبراني بسند صحيح عن عوف بن مالك بلفظ: أولها ملامة; وثانيها ندامة، وثالثها عذاب يوم القيامة، إلا من عدل. وفي الطبراني الأوسط من رواية شريك عن عبد الله بن عيسى عن أبي صالح عن أبي هريرة قال شريك: لا أدري رفعه أم لا، قال: “الإمارة أولها ندامة، وأوسطها غرامة، وآخرها عذاب يوم القيامة” وله شاهد من حديث شداد بن أوس رفعه بلفظ أولها ملامة وثانيها ندامة أخرجه الطبراني وعند الطبراني من حديث زيد بن ثابت رفعه: نعم الشيء الإمارة لمن أخذها بحقها وحلها، وبئس الشيء الإمارة لمن أخذها بغير حقها تكون عليه حسرة يوم القيامة وهذا يقيد ما أطلق في الذي قبله، هذا أصل عظيم في اجتناب الولاية ولا سيما لمن كان فيه ضعف. وهو في حق من دخل فيها بغير أهلية ولم يعدل فإنه يندم على ما فرط منه إذا جوزي بالخزي يوم القيامة، وأما من كان أهلا وعدل فيها فأجره عظيم كما تظاهرت به الأخبار، ولكن في الدخول فيها خطر عظيم، ولذلك امتنع الأكابر منها والله أعلم.
قوله (فنعم المرضعة وبئست الفاطمة) قال الداودي: نعم المرضعة أي الدنيا، وبئست الفاطمة أي بعد الموت، لأنه يصير إلى المحاسبة على ذلك، فهو كالذي يفطم قبل أن يستغني فيكون في ذلك هلاكه. وقال غيره: نعم المرضعة لما فيها من حصول الجاه والمال ونفاذ الكلمة وتحصيل اللذات الحسية والوهمية حال حصولها، وبئست الفاطمة عند الانفصال عنها بموت أو غيره وما يترتب عليها التبعات في الآخرة.
الله أكبر كم حرص الإسلام على أن لا يحمل المسؤولية إنسان ليس أهلا لها وكم حرص على الرعية بتولية من يَقْدِر على تولية أمرها.
مستمعينا الكرام: إن للأمة على الحاكم واجب لا بد من تأديته عند حمل مسؤوليتهم فإن لم يكن أهلا لتأدية هذا الواجب فلا يُحَمِلَّن أحد نفسه فوق طاقتها، لأن التقصير في حق الرعية لا يترتب عليه محاسبة دنيوية من الأمة فقط، بل عذاب يجعله يندم ويتحسر على إقدامه لما هو ليس أهلا له.
لذلك عند إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي وعد بها الله والقائمة قريبا بإذن الله سيكون عليكم اختيار خليفة يقدر على حمل أعباء الدولة بكل تبعاتها وأن لا تكلوا الأمر لغير أهله، ولا تعينوا أحد المسلمين على أن يصل للحسرة والندامة في الآخرة بتوليته عليكم في الدنيا وهو عن الولاية عاجر.