بسم الله الرحمن الرحيم
مع الحديث الشريف
باب ظهور الفتن
حدثنا عياش بن الوليد أخبرنا عبد الأعلى حدثنا معمر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يتقارب الزمان وينقص العمل ويلقى الشح وتظهر الفتن ويكثر الهرج” قالوا: يا رسول الله أيم هو؟ قال: “القتل القتل”
الشرح
قال ابن بطال: ليس في هذا الحديث ما يحتاج إلى تفسير غير قوله يتقارب الزمان ومعناه والله أعلم تقارب أحوال أهله في قلة الدين حتى لا يكون فيهم من يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر لغلبة الفسق وظهور أهله، وقد جاء في الحديث: لا يزال الناس بخير ما تفاضلوا فإذا تساووا هلكوا، يعني: لا يزالون بخير ما كان فيهم أهل فضل وصلاح وخوف من الله يلجأ إليهم عند الشدائد ويستشفى بآرائهم ويتبرك بدعائهم ويؤخذ بتقويمهم وآثارهم. وقال الطحاوي: قد يكون معناه في ترك طلب العلم خاصة والرضا بالجهل، وذلك لأن الناس لا يتساوون في العلم لأن درج العلم تتفاوت قال تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} وإنما يتساوون إذا كانوا جهالا، وكأنه يريد غلبة الجهل وكثرته بحيث يفقد العلم بفقد العلماء. قال ابن بطال: وجميع ما تضمنه هذا الحديث من الأشراط قد رأيناها عيانا فقد نقص العلم وظهر الجهل وألقي الشح في القلوب وعمت الفتن وكثر القتل، قلت: الذي يظهر أن الذي شاهده كان منه الكثير مع وجود مقابله، والمراد من الحديث استحكام ذلك حتى لا يبقى مما يقابله إلا النادر، وإليه الإشارة بالتعبير بقبض العلم فلا يبقى إلا الجهل الصرف، ولا يمنع من ذلك وجود طائفة من أهل العلم لأنهم يكونون حينئذ مغمورين في أولئك
تشابهت أحوال الناس وأصبح مُنكِر المنكر غريب بين المسلمين، وأصبح المنكر أمر معتاد بين الناس وإذا أرادوا أن يبرروا لأنفسهم يقولون الجميع يعمل كذلك .. أي مما عمت به البلوى، والله إن هذه أم البلاوي، أن نعتاد المنكر
وما نقصان العلم وظهور الفتن وكثرة القتل إلا نتيجة طبيعية لمخالفة شرع الله والرضا بالمنكر، كيف لا والله سبحانه يقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (124)
قال ابن كثير: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي} أي خالف أمري وما أنزلته على رسولي أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} أي ضنكا في الدنيا فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك فلا يزال في ريبة يتردد فهذا من ضنك المعيشة.
إن المسلم عليه أن يحتكم لأوامر الله وأن تردعه نفسه عن ارتكاب المحرمات فإن لم تردعه نفسه فيُردع من الخارج، وهنا مربط كلامنا .. إنا هذه الأيام نحيا في ظل قوانين ليست من ديننا وأصبح الدين غريبا بين أهله وإن لم يكن أحدنا تقي وفي نفسه إيمان يردعه فلا رادع له .. وهنا يحضرنا أهمية العمل لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة فوق أنه واجب، فبها تقام الحدود ويطبق شرع الله ويُردع من لا تردعه نفسه ..
فاللهم عجل لنا بخلافة راشدة على منهاج النبوة تُردع فيها وبها نفوسنا وتقينا شر أنفسنا .. اللهم آمين آمين