لا صلاحَ ولا إصلاح لأحوال المسلمين
إلا بتحكيم شِرعة الإسلام وإقامة حُكمِ الله في الأرض
الخبر:
في سياق عزم رئيس الوزراء العراقي (العباديّ) على إجراء إصلاحاته للعملية السياسية التي أقامتها أيدي الكافرين الغزاة، تلك الإصلاحات التي تراوحت بين إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وبين ترشيق الكابينة الوزارية المُترهِّلة بدمج بعض الوزارات ببعض، أو إلغائها أو تحويلها لهيئاتٍ مُستقلة… وصولا إلى آخرها باستبدال شخصياتٍ من ذوي الخبرة والتخصص الفنيّ والعلميّ (تكنوقراط) بأمثالهم من الوزراء التابعين للكتل السياسية بحسب نظام المحاصصة الطائفية والعرقية، ممن كان أداؤهم ضعيفاً أو مُضِراً بمصالح البلد.. في هذا السياق، تباينت ردود أفعال القوى والكتل السياسية العراقية بين مؤيد ومعارض، وآخر انتهج خطاً وسطاً، مما صعّب المُهمة بإجراء التغييرات. وكانت أهداف (العباديّ) – فيما أُعلِن – إنقاذ العراق من أزماته السياسية والاقتصادية والأمنية الصَّعبة التي تعصف به، في ظل محاربة تنظيم “الدولة” وهبوط أسعار النفط، وللحيلولة دون انزلاق البلاد لفوضى وحرب أهليةٍ لا تُبقي ولا تذر. (وكالات أنباء متنوعة).
التعليق:
إنَّ مَن خبَر ساسة العراق في فترة ما بعد احتلاله عام 2003، وتتبع أفعالهم وشعاراتهم عن كثَب لا يسَعُه إلا أن يخرج بنتيجةٍ مُسبَقةٍ ودون ترَدُّد بأن ما ينوون إجراءهُ من تعديلاتٍ أو إصلاحاتٍ لا يمكن أن ينتُج عنها غيرُ إطالةٍ لعُمُر تلك الحكومات العميلة التابعة تبعيَّةَ الأعمى لقائِدِه، أو تحسينٍ وتلميعٍ لصُوَرها وصُوَر أزلامها الكالحة، ولتصبير شعبهم على انتظار ما يحمله سرابُ تصريحاتهم ووعودهم الكاذبة… ذلك أن أولئك (القادة) قد بلغوا من الفساد والكساد مبلغا عظيماً، يتعذَّرُ معه انتظارُ أي ّخيرٍ منهم، وصدق اللهُ العظيم إذ يقول في مُحكم كتابه المجيد: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾.
ولتسليط الضوء بشكلٍ أوضح نقول: إن لِما أصاب هذا البلد – وغيرَهُ من بلاد المسلمين – من مصائب وكوارث وأزمات اقتصادية خانقة، أسباباً حقيقيةً لا يُمكن الخلاص من آثارها ونتائجها إلا بدفع تلك الأسباب وإزالتها تماماً حتى يُرجى – بعد ذلك – الخير الحقيقيّ، وها هو البيان:
أولاً: إنَّ السبب الأهم لكساد أحوال المسلمين عموماً والعراق خصوصاً، هو إزاحة حُكم اللهِ تعالى بدفع شرعه خارج الحياة والدولة والمجتمع، وإحلال عقيدة الكفر (فصل الدين عن الحياة) عقيدة الغرب الكافر المُستعمِر مَحَلَّهُ، وما بُنيَ عليها من أنظمةٍ ومعالجاتٍ تحمل في طيَّاتها الشرَّ والدمار كالديمقراطية والرأسمالية والعلمانية وأمثالها من بِدَع الكافرين الأعداء.. فما نجدهُ اليوم – بعد قرون الخير والعِزّ في ظل دولة الخلافة الإسلامية – من عَنَتٍ وهوَان نتيجةٌ طبيعيَّةٌ لذلك، مصداقها قول ربِّنا عزَّ وجلَّ: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ولو عُدنا لربنا سبحانهُ كرَّة أخرى لعاد إلينا الخيرُ كلهُ: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾.
ثانياً: السبب الآخرُ – لما آلت إليه أحوال العراق – لا يقِلُّ فتكاً عن سابقهِ ألا وهو الاحتلال الأمريكي الغاشم الذي جعل من الغزاة المعتدين حُكاماً حقيقيين ولكن من وراء ستار، فأخذوا يتحكمون بالقرار السياديّ والسياسيّ والاقتصاديّ، وسلَّطوا علينا شبح “الإرهاب” الذي صنعوه هم، ليستنزفوا آخر ما لدى المسلمين من ثرواتٍ ومقدرات.. فها هم يُماطلون في مكافحة خطر تنظيم “الدولة” مداً وجزراً بالإسراع مرةً والإبطاء أخرى بما يُحقق أغراضهم الدنيئة.
ثالثاً: إنَّ مُعظمَ (القادة) في العراق مِمَّن تسنَّموا مَناصب في حكومات ما بعد الاحتلال حمَلوا ألقابَ العِلم والمَعرفة والتقنية المزعومة، فكيف كانت النتائج؟! لقد كانت خراباً شاملاً جعل العراق – وهو مِن أغنى بلاد الأرض – يتسوَّل البنك والصندوق الدَّوليَّيْنِ وغيرهما ما يُسدِّد به رواتبَ الموظفين رغم ما يُصدَّر مِن النفط لا سيَّما بعد انهيار أسعارهِ عالمياً – وهي مؤامرة أخرى مِن مؤامرات الكفار اللئيمة – ليُذِلوا المسلمين ويأتوا على آخر برميلٍ للنفط، فيتركونا عالةً نتكفَّف الناس أعطَونا أو حرَمونا..! فعليهِ، ماذا نتوقعُ مِن بُدلائهم من (التكنوقراط)؟ والجواب معروفٌ لمَن بصَّرهُ الله تعالى: لن يفعلوا شيئاً لأنَّ مَدارَ الأمر على الإخلاص والأيدي الأمينة وهيهاتَ أن يُسمحَ لأحدٍ منهم دخول المضمار. وبعد هذا، ألم يتبيَّن صِدقُ ما توقَّعناه من (إصلاحاتهم) المزعومة.
رابعاً: أنَّ الأحزاب التي انتسبت إلى الدِّين – والدينُ من فعالهم – لا سيَّما الحاكمة منها فعلاً، والتابعة لإيران (الإسلامية) كانت مَعَاوِلَ هدمٍ وتخريبٍ للعراق، بما نفذتهُ من خُططٍ خبيثةٍ لشقِّ صف الإخوة وتمزيق النسيج المجتمعي وخلق عداوات قلما يمحوها الزمن. وَضعَتِ البلاد على طاولة التشريح والتفتيت، ليكون العراق أثراً بعد عينٍ إشباعاً لنفوسهم المريضة وحِقدهم الدفين. فضلاً عما أفرزتهُ أفكارُهُم المِعوجَّة من ابتداع فكرة “الجهاد الكفائيّ” الذي أثقل كاهل خزينة العراق الخاوية بمؤونة ألوفٍ من رجال المليشيات المنفلتة التي باتت أشد فتكاً من تنظيم “الدولة” بأمن واقتصاد البلد. فتلك الأحزاب لن تسمحَ بأن تُمَسَّ (مصالِحهم) مهما كلف الأمر، فقد تشبَّثوا بسُلطةٍ حُرِموا منها لعدة قرون كما يزعمون! وسيُفرِغون أي مَشروعٍ للإصلاح من مُحتواه. حتى قال أحد أكابر شياطينهم: “إن كان ولا بدَّ، فحتى رئيس الوزراء نفسه يجب استبدالهُ قبلَ أي تغيير”! وقال بعضهم: أنَّ تلك الإصلاحات ستُكلِّف (العباديَّ) مَنصِبَه!
وأخيراً: فإنَّ الجاهلَ هو مَن يُعَلقُ على مشاريعِهم خيراً، ذلك أن الكافر المُحتلَّ هو مَن كان يَرعى كل ما جرى ويجري إلى اليوم، ولو أرادت أمريكا بالعراق خيراً لضربت على أيدي أولئك المُفسدِينَ، أو قدَّمتهم للقضاء، لكنها مُرتاحة لما آلت إليه الأمور والأحوال. فهو ما ترجوه ويَصُبُّ في خانة (مصالحهم). فلن يكون حال أهل العراق بأحسنَ من حال إخوانهم المُسلمين في سوريا وفلسطين وليبيا واليمن ومصر وغيرها ممن ابتُليَ بحُكم الكفار وأذيالِهم العُملاء حكام المسلمين الذين أخلصوا أيَّما إخلاصٍ لأعداء الأمة، بل لقد تفوَّقوا عليهم بما لا نظير له بين حكام الأرض. ولن يرتفع هذا البلاءُ حتى تُقطعَ أيدي الكافرين المعتدين ويُطردوا هم ومبادئهم الهدامة على أيدي رجال الحقّ رجال دولة الخلافة الإسلامية الراشدة على منهاج النبوة القائمة قريباً بإذنِ الله العزيز الحكيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الرحمن الواثق – العراق