الحديث الشريف
التعاون على البر والتقوى
عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. (متفق عليه).
(الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ) فالمؤمن مبتدأ, وقوله كالبنيان خبره.
وقوله:(يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا) جملة استئنافية لبيان وجه الشبه, قال القرطبي: “هذا تمثيل يفيد الحض على معاونة المؤمن للمؤمن ونصرته, وأن ذلك أمر متأكد لا بد منه, فإن البناء لا يتم ولا تحصل فائدته إلا بأن يكون بعضه يمسك بعضا ويقويه. وإن لم يكن ذلك انحلت أجزاؤه وخرب بناؤه, وكذا المؤمن لا يشتغل بأمر دنياه ودينه إلا بمعاونة أخيه ومناصرته.”
(وَشَبَّكَ) يحتمل أن يكون النبي وأن يكون الراوي.
(بَيْنَ أَصَابِعِهِ) وذلك تقريب لوجه التشبيه وبيان للتداخل.
(متفق عليه) أخرجه البخاري في الصلاة والأدب, ومسلم في الأدب, ورواه الترمذي في الزهد, والنسائي في الإيمان.
البيت مكون من جدران، والجدران مكونة من طوب أو حجارة، وهذه الجدران تسند بعضها البعض، بحيث يكون لها من القوة والمتانة ما يصعب تحريكها أو تكسيرها، فالجدار وحده ضعيف، وبأمثاله قوي شديد، وذلك مثل المؤمن للمؤمن، فهو معه كالبنيان يشد بعضه بعضًا، فالمؤمنون شأنهم التعاون والتناصر والتكاتف والتظاهر، ولقد مثل الرسول صلى الله عليه وسلم وحدة المسلمين ومعونة بعضهم لبعض بالتشبيك بين أصابعه.
وقد قال العلماء في هذا الحديث من الفقه أن المؤمن مع المؤمن كالنفس الواحدة فينبغي أن يحب له ما يحب لنفسه من حيث إنها نفس واحدة كما في الحديث «المسلمون كالجسد الواحد».
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (متفق عليه).
(الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ) قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) قال البيضاوي: أي من حيث أنهم منسوبون إلى أصل هو الإيمان.
(لَا يَظْلِمُهُ) بأن يأخذ من ماله أو حقه بغصب أو نحوه, ولا يسلمه إلى عدو متعد عليه عدوانا, بل ينصره ويدفع الظلم عنه ويدفعه عن الظلم.
(وَلَا يُسْلِمُهُ) إلى عدوه ونفسه التي هي أمارة بالسوء والشيطان, فيحول بينه وبين دواعي النفس من الشهوات, وبينه وبين الشيطان الذي يأمره بالسوء والفحشاء, وبينه وبين العدو الباغي عليه بالظلم والاعتداء.
(مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ) أي كل ما يحتاج إليه, كان الله فى حاجته جزاء له وثوابًا له، كما قال تعالى:
(هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ). وروى الطبراني مرفوعًا «من سعى في حاجة أخيه المسلم قضيت له أو لم تقض غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر, وكتب له براءتان: براءة من النار, وبراءة من النفاق» وأورده في الفتح المبين شرح الأربعين.
(وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً)، كربة بتشديد الراء وضم الكاف: الهمّ الذي يأخذ النفس.
(فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا) بتلك المرة من التفريج.
(كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ) جمع قربة كقربة وقرب.
(وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا) بأن علم منه معصية فيما مضى فلم يخبر بها حاكمًا وهذا للندب, إذ لو لم يستره ورفعه لحاكم لم يأثم إجماعًا بل ارتكب خلاف الأولى, أما كشفها لغير الحاكم كالتحدث بها فذلك غيبة شديدة الإثم والوزر, ويندب لمن جاءه تائب نادم أقر بحد ولم يفسره أن لا يستفسره بل يأمره بستر نفسه.
لهذا يجب على المسلمين أن يتعاونوا على فعل الخير والعمل على حثّ الذات والآخرين على فعل الخيرات صغرت أم كبرت فهي كلها تجمع يوم القيامة للعباد. وإن سر قوة هذه الأمة هو عقيدتها الدافعة إلى وحدة الفكر والشعور، فعلينا أن نحافظ على وحدتنا وكياننا.
فيا أيها المسلمون، ذلكم رسولكم وأسوتكم وإمامكم يرشدكم إلى سلاح ماضٍ، وجيشٍ غلّاب، وعدة عتيدة، تنفعكم في البأساء والضراء، وتدفع عنكم الأعداء وتزيل عنكم الاستعباد، وترد إليكم العزة الماضية، والكرامة الراحلة، وتبوّئكم المكانة العالية، ذلكم هو سلاح الوحدة وضم اليد إلى اليد. فاستمعوا لإرشاده واعملوا بنصحه، واذكروا قول الله سبحانه وتعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً)، وقوله تعالى:
(وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).