رغم الهدن والمؤامرات ثورة الشام ماضية إلى ربها
تمر البلاد الإسلامية عامةً وأرض الشام خاصةً بمنعطف خطير ودقيق للغاية ربما سينتج عنه بعد ذلك وضوح الرؤية وزوال التخبط والتناقضات التي يعاني منها كثيرون.
ذلك أن هذه الثورة انطلقت بظروف غريبة عجيبة لم يجرؤ أحد أن يراهن عليها، فقد كانت هناك قناعة عامة لمن عرف وخبر نظام البعث أنه من سابع المستحيلات أن يتمكن أحد من الوقوف في وجه جبروت النظام وساديته التي فاقت كل إجرام في التاريخ.
فقد هيمن على الشام منذ الانفصال نظام الإجرام والإرهاب يحكم البلد ويقمعها فصارت سوريا سجناً مخيفاً لا منجي لها منه إلا الله! فاستيأس الكثيرون من أهل الفكر والعلم من إمكانية المواجهة وفضلوا المداهنة والخضوع ثم الخنوع والتذلل فسقطوا في امتحان رب العالمين الذي أراد لهذه الأمة أن تولد من جديد ولكن ولادة لا انتكاسة بعدها بإذنه تعالى.
وكذلك حملة مشعل النور أو الدين أو الأخلاق كما زعموا، وقعوا هم أيضاً في شر أعمالهم لأنهم أقحموا عقولهم في تشريع رب العباد فجعلوا المصلحة مقياس أعمالهم، وظنوا مصلحتهم مع النظام، فتوالفوا معه حتى قامت الثورات فضاعوا وأضاعوا. ولا نبرئ هنا حركات سلفية ولا صوفية أرادت مسك العصا من المنتصف فطحنتها الأحداث وكشفت عوارها!
وكما أراد الله لموسى أن يُقذف في اليم بيد أحب الناس إليه وهي أمه وكأنها تقذف به للموت المحتم، فأرانا الله عجائب قدرته حيث حفظه بواسطة أمواج البحر وتياراته المتلاطمة وأوصله إلى خير مكان يأوي إليه، وكما حفظ الله أبسط سفينة بنيت بألواح الخشب والمسامير البسيطة على يد النبي نوح عليه الصلاة والسلام بينما أغرق بقدرته أعظم ما بنى البشر من سفن وهي التيتانك رغم أنف الحضارة الغربية المعادية لقدرة رب العزة، كذلك انطلقت ثورة الشام بقدرته وحده جل وعلا.
أمرها عجيب، تلك المرأة الشجاعة التي تزامنت كلماتها في حوران مع الصبية الذين تحدوا النظام حين أسقطوه بشعاراتهم الحائطية “الشعب يريد إسقاط النظام” و”جاك الدور”، تلك المرأة التي هزت مخابرات حوران حين هتفت لصديقتها قائلة “سقط طاغوت مصر عقبالنا إن شالله”! نزلت مدوية على آذان جواسيس النظام المجرم فهبوا لاعتقالها والتنكيل بها فتنادى الناس “من لأعراضنا ولأطفالنا الذين قُلعت أظافرهم ونُكّل بهم؟” و”الموت ولا المذلة”! وحقيقةً فإنه “من حوران هلّت البشائر”.
وتصاعدت الأحداث وكلما هدأت أوقدها الله بقدرته العجيبة، وكلما تنادى خونة من أتباع النظام للتراجع خذلهم الله وثبطهم وجعل الدائرة عليهم. وكلما خطط الكافر المستعمر خطة دقيقة لإجهاض ثورة الأمة في شام الرسول صلى الله عليه وسلم وظن الناس بالله الظنونا، أتى أمر الله فأجهض تعالى خططهم وخيب فألهم وأطاش سهامهم!
لا نرى فيما يحدث إلا أنها بشائر وإنذارات من رب العالمين، بشائر مغزاها “إني فعّال لما أريد” وإنذارات مفادها ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾. فهل وعى المهرولون والمنبطحون تحت أقدام كيري ودي ميستورا وأوباما أن أمر ثورة الشام فوق إرادتهم وأنها فتنة يصيب بها من يشاء من عباده؟ لو وعى رياض حجاب على ما حدث لمن سبقه من مهرولين لما أقدم على القبول بهدنة الذل التي تُغضب الله تعالى والمخلصين من أهل الشام، ولو وعى (كبير!) المفاوضين لموقف شقيقه الصعب بين يدي الجبار، لما تجرأ على الله وفاوض أعداءه! ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره فيقيم الحجة على كل طرف متخاذل أو معادٍ لثورة الأمة حتى يأتي النصر لأهله الصابرين المحتسبين ﴿أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾ من حيث لم يحتسبوا.
وما أجملها من وقفة بين يدي مالك الملك ذي الجلال والإكرام حين يأتي حملة دعوته المخلَصون ليوم الحساب وهم يرفعون راية نبيه صلى الله عليه وسلم وهو ينادي يا الله هؤلاء هم أحبابي الذين حدثت أصحابي عنهم أجر واحدهم كسبعين من أصحابي كما وعدتهم يا الله. حينها لن يفيدكم يا أهل التفاوض والهدن والتخاذل والهوان لا كيري ولا دي ميستورا ولا مجلس أمن ولا ملك السعودية. حينها سينادي رب العالمين ﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾؟ فما هو ردكم يومئذ!
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس هشام البابا