الثورة السورية في مفترق الطريق
لا تزال الثورة السورية عصية على الكسر ولا تزال المؤامرات تحاك ضدها من قبل الشرق والغرب، ولا يزال المخلصون في الأمة يصلون ليلهم بنهارهم لكشف تلك المؤامرات وفضح المتآمرين عليها، كما لا تزال أمريكا أكبر المتآمرين عليها تحوك خيوط تآمرها بخبث شديد قد يخفى على البعض ولكنه لا يخفى على تلك الثلة الواعية في الأمة التي طالما أفشلت خطط أمريكا بأن فضحتها وكشفتها لمن خفيت عليه من أبناء الأمة ومن الثوار. ولعل آخر تلك المؤامرات ما تم الإعلان عنه مؤخرا مما سمي الاتفاق الأمريكي الروسي لوقف إطلاق النار (وقف الأعمال العدائية) بصفتهما الرئيسين المشاركين للمجموعة الدولية لدعم سوريا واللتين أعلنتا أنه يهدف إلى تهيئة الظروف لعملية انتقال سياسي ناجحة يقودها السوريون، بتيسير من الأمم المتحدة، لأجل التنفيذ الكامل لبيان ميونيخ الصادر عن المجموعة الدولية لدعم سوريا يوم 11 شباط/فبراير 2016، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وتصريحات فيينا لعام 2015، وبيان جنيف لعام 2012، وتبني شروط الهدنة في سوريا، وتقترحان أن يتم الشروع في وقف الأعمال العدائية في الساعة 00:00 ( بتوقيت دمشق) من يوم 27 شباط/فبراير 2016، وهذه الهدنة لن تنطبق على “تنظيم الدولة” و”جبهة النصرة”، أو أي “منظمات إرهابية” أخرى يحددها مجلس الأمن، وكما هو معلوم فإن النظام السوري لن يلتزم بهذه الهدنة وسيخرقها مرات ومرات ولن تنفع التنظيمات التي قبلت بالدخول في هذه اللعبة شكواها للدولتين الراعيتين لهذا الاتفاق مهما رفعت الصوت عاليا أو علا نحيبها.
وكان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قد صدر منه ما يعتبر تهديدا للجميع عندما قال إنه في حال فشل كل من “اتفاق وقف الأعمال العدائية في سوريا، والانتقال السياسي الذي أقرته الأمم المتحدة، فإننا قد نتخذ موقفا أكثر شراسة بما فيها تقسيم سوريا”. وأشار كيري، في كلمة خلال جلسة لمجلس الشيوخ، إلى أن عدم إيجاد حل للأزمة السورية عبر طاولة المفاوضات، سينجم عنه تدمير البلاد بالكامل… أعلم جيدا، أنه في حال فشل الاتفاق، فهناك احتمال انهيار سوريا بالكامل”.
يبدو أن أمريكا قد اتخذت قراراها بالوقوف علنا مع نظام بشار المجرم بعد أن كانت تتخفى وراء قناع تصريحاتها الزائفة عن إجرام النظام السوري في حق شعبه وأنه لا بد من رحيل الأسد أولا قبل الدخول في أي تسوية للمشكلة السورية، وتمارس إجرامها في حق أهلنا في سوريا في الخفاء من خلال أدواتها إيران وحزبها وأخيرا من خلال اتفاقها القذر مع روسيا بقتل وتشريد كل من يعارض النظام من أبناء الشام. فإذا بها اليوم من خلال الاتفاق الجديد مع روسيا تريد جر الجميع للتفاوض مع نظام مجرم هي من وصفته بالإجرام، وإذا بها اليوم تصف كل من لا يقبل بالتفاوض معه بأنه إرهابي يستحق القتل ولا تشمله هدنة القتل.
كما يبدو أن أمريكا تدرك جيدا أن مثل هكذا هدنة مصيرها الفشل ولذا فهي تتكلم عن خطة بديلة تسميها الخطة “ب” وكان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قد ذكر الثلاثاء 23 شباط/فبراير الجاري أن بلاده تدرس خيارات لخطة بديلة في حال لم يصمد وقف إطلاق النار في سوريا، وإذا لم تشهد البلاد مرحلة انتقالية قريبا. وقال كيري أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي: “نحن في طريقنا لمعرفة ذلك في غضون شهر أو شهرين، معرفة ما إذا كانت هذه العملية الانتقالية جادة حقا.. وعلى الأسد اتخاذ بعض القرارات الحقيقية حول عملية تشكيل حكومة انتقالية”.
إن ما تقوله أفعال الإدارة الأمريكية، بغض النظر عن تصريح كيري، هو أن الولايات المتحدة قد كلّفت روسيا إدارة الملفّ السوريّ لأنها غير مهتمة أو معنيّة إلا بمنع سقوط الأسد قبل أن تجد البديل أو تصنعه. والمتابعة الدقيقة لآلية عمل الإدارة الأمريكية في المنطقة تظهر أنها غير مستعدة لبذل أي جهد حقيقي لتغيير ما يحصل على الأرض، خاصة وأنها تدرك جيدا أن انهيار نظام الأسد الآن دون أن يكون العميل البديل حاضرا وبشكل مقبول من الشعب السوري سيكون مدخلا لإنهاء سطوتها ونفوذها في سوريا والبديل هو خلافة حقيقية في بلاد الشام تقطع دابر أمريكا وعملائها في المنطقة وتعيد للأمة هيبتها وثرواتها المنهوبة. ومن هنا فأمريكا تلعب على الوقت وتراهن على يأس المقاتلين من قدرتهم على التغيير واستسلام الشعب السوري لما تريده أمريكا. وما يجب أن يفهمه المقاتلون في سوريا أن هذا الاتفاق لن يحميهم من القتل ولن يمنع نظام الإجرام في سوريا من الاستمرار في إجرامه ومحاولته المستميتة تركيع أهل الشام بصب الحمم فوق رؤوسهم. وها هي أمريكا تعطيه الحق في ضرب أي مكان تريد في سوريا دون أن يرف لها جفن والذريعة موجودة وهي أنها أماكن يسيطر عليها تنظيم الدولة أو جبهة النصرة أو أي فصيل آخر تصنفه أمريكا بأنه إرهابي أو أنه لم يبلغ روسيا بأنه موافق على الهدنة وفي النهاية إن قُدر لهذا الاتفاق أن ينجح فالمطلوب منه هو إخراج مناسب لتسوية تُبقي على النظام في سوريا وتؤهّله لانتقال سياسي هدفه الحفاظ على نفوذ أمريكا ومصالحها في المنطقة.
نعم إن الثورة السورية في مفترق طرق وتحتاج لمن يقف على هذا المفترق ليقول للناس من هنا الدرب أيها التائهون، حتى يمنعوا الثورة من الانجرار في الطريق الخطأ والثقة فيمن لا يستحق هذه الثقة سواء أكان من الدول الكبرى كأمريكا وبريطانيا وغيرهما، أو من الدول الإقليمية التي تقوم بدعم الثوار بالمال والسلاح وهي تتظاهر أنها مع الثورة والثوار بينما الحقيقة أن تلك الدول ما هي إلا أدوات في يد دول الغرب الكافر تنفذ ما تمليه عليها الدول الكبرى لتحقق لها أهدافها الخبيثة وتمنع الثورة من السير في طريقها الصحيح والمتمثل بإسقاط نظام الأسد وإقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة التي تعيد للأمة عزها ومجدها مرة ثانية وتقطع دابر الكافرين الذين تكالبوا على الأمة كما تتكالب الأكلة على قصعتها.
﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حامد عبد العزيز
2016_03_02_Art_Syrian_Revolution_at_the_crossroads_AR_OK.pdf