فزاعة الإرهاب، هل تنجح في إبعاد الأمة عن مشروعها النهضوي؟!
يبدو الوضع في مصر منذ أن انطلقت الثورة على نظام مبارك في الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير سنة 2011م وحتى اليوم مشوشا للغاية لدى الكثيرين من أبناء الأمة في داخل مصر وفي خارجها، والظاهر أن هذا التشويش ليس فعلا عفويا فرضته كثرة الأحداث وتشعبها وتداخل وتشابك الأيدي الفاعلة والمؤثرة في الأحداث لدرجة التعقيد، بل يكاد أن يكون هذا التشويش مقصودا ومخططا له من قبل رجال أمريكا في مصر الذين مكنتهم أمريكا من السيطرة على الوضع بشكل تام ومحكم منذ الإطاحة بالملكية في مصر وسيطرة رجال ما سمي حينها بالضباط الأحرار على مفاصل السلطة في مصر.
ومما يجب علينا ألا ننساه أنه منذ ذلك الحين وحتى الآن لم يكف رجال السلطة عن تنازع الثروات التي تحظى بها البلاد ونهبها نهبا مستمرا، فقد تم وضع يد الجيش بهدوء على الاقتصاد وأصبحنا نرى منظومة اقتصادية متكاملة يديرها الجيش بمعزل عن الدولة ولا يعرف عنها أحد شيئا وهي غير خاضعة لأي نوع من المراقبة لا من الجهاز المركزي للمحاسبات ولا من مجلس الشعب الذي فُرض عليه أن يصدق على ميزانية الجيش تحت رقم واحد، بل تم تهديد كل يد تمتد إلى تلك المنظومة بالبتر إن هي فكرت في التدخل في شأن تلك المنظومة. ولم يبق من منافس لها سوى حفنة من رجال الأعمال لا يهمهم سوى تكديس الأموال في خزائنهم، والذي قد يكون مبررا لهم لسعيهم الدؤوب لتنازع تلك الثروات مع رجال العسكر.
وما كان لأمريكا أن تترك الأمور تجري في مصر كما يشتهي الثوار، ليتم إسقاط نظام صنعه مهندسو سياستها الخارجية على عين بصيرة حَوَّل مصر من القبضة الإنجليزية إلى القبضة الأمريكية لتصبح مصر نقطة انطلاقها نحو القضاء على الاستعمار القديم لتتمكن أمريكا من إخراج فرنسا وبريطانيا من مستعمراتهما وتخلع عملاءهما واحدا تلو الآخر ومن ثم ترث هي إرث الاستعمار وتضع يدها على كيان يهود لتكون دولة يهود ربيبتها في المنطقة وذراعها الذي به تحقق مصالحها في المنطقة وتزرع من خلالها الخراب وتثير الفتن في كل ربوعها، ومن هنا شكلت مصر خاصة بعد اتفاقية السلام خط الدفاع الأول عن كيان يهود واستمراريته. وما كان أيضا للمجلس العسكري أن يترك الأمور تجري على عواهنها ويتخذ موقف المتفرج على ضياع السلطة والثروة من يده، خاصة وقد أعطته أمريكا الضوء الأخضر لإجهاض تلك الثورة بل خططت له كيفية القيام بذلك. وللأسف الشديد نجح الاثنان في قيادة الثورة المضادة التي كان من نتيجتها إمساك أمريكا ورجالاتها في مصر بتلابيب السلطة من جديد بعد أن كادت تفقدها، وتم إيداع الثوار وكل من ناصرهم وأيد حركتهم السجون، وتم تمرير رسالة واضحة لا لبس فيها لجموع الشعب مفادها إياكم حتى أن تفكروا في الثورة من جديدة.
يكمن الصراع ليس في مصر فحسب بل في كل بلاد المسلمين بين مشروع الهيمنة الغربية بكل أشكالها في السياسة والاقتصاد والاجتماع والفكر وبين رغبة الأمة في التحرر من ربقة الاستعمار وتلك الهيمنة، وإن اختلفت رؤية شعوب الأمة لسبيل الخروج من ربقة تلك الهيمنة، فقد يراها البعض في إسقاط الدكتاتوريات وإقامة أنظمة وطنية لا تبتغي سوى رفعة الأمة والدولة، وقد يراها البعض في محاربة فساد تلك الأنظمة وإرساء دعائم ما يسمونه بالعدالة الاجتماعية، لكن السواد الأعظم في الأمة يرى سبيل الخروج من تلك الهيمنة لا يتم إلا بالإسلام والإسلام وحده، فهو القادر على إسقاط الهيمنة الغربية وإعادة الأمة لأن تمتلك زمام أمرها. ولأن الغرب يدرك ذلك جيدا فهو يجتهد في الكيد لتلك الأمة كي يصرفها عن هذا التوجه ويمنعها من الالتفاف حول حملة هذا المشروع.
ومن هنا كان من المهم للسلطة الحاكمة اليوم إبراز فزاعة الإرهاب ووسم أغلب العاملين في ميدان التغيير من الإسلاميين به، ليبتعد عنهم الناس وينفروا منهم ولا يستمعوا لهم. والإرهاب والحرب عليه أصبح هو الأغنية النشاز التي صُمّت بها أذان الناس صباح مساء، وإن لم يقم البعض بأي عمل إرهابي بدافع ذاتي من خلال دفعهم دفعا للقيام به بمحاصرتهم والتنكيل بهم، فلا بأس في أن تمارسه السلطة من خلال إرهاب السلطة وسطوتها أو من خلال اختراقها لبعض التنظيمات التي تنفذ ما تريده السلطة سواء أكانت تدري من يقوم بالتنفيذ أو لا تدري.
سيكون طريق كشف القناع عن زيف فزاعة الإرهاب ومن يقف وراءها طويلا وصعبا، لأن الكثير من أبناء الأمة قد انجرف وراء فكرة أن من يقوم به هم أناس يحملون أيديولوجية الإسلام السياسي أصحاب لحى طويلة وثياب قصيرة ووجوه مكفهرة معقودة الحاجبين، وقد استطاع الإعلام المحلي والعالمي أن يكرس تلك الصورة النمطية عن الإسلاميين وكأنها أصبحت لازمة ملازمة لهم، وما يجب أن يعرفه الكثيرون أن كل هذا مقصود ومخطط له من قبل القوى الدولية التي تخوض الصراع مع الإسلام وحملة دعوته، وأن من يقوم على تنفيذ تلك الخطط يتلقى الدعم الكامل من جميع القوى العالمية في حين تدعي تلك القوى بأنها تدافع عن حقوق الإنسان وتناضل ضد الظلم في كل مكان من العالم. إنها تلك السياسة الخبيثة اللعينة التي تمارسها أمريكا وغيرها من دول الكفر في العالم، تصنع الإرهاب ثم تدعي في وقاحة أنها تحاربه، إنه المبرر لبقائها والدافع للحفاظ على أنظمة دكتاتورية ظالمة تدعي هي الأخرى أنها تحارب الإرهاب، وما فتئ النظام وسدنته في مصر يردد تلك الجملة على مسامع الناس “لولا السيسي لتحولت مصر إلى سوريا أو ليبيا أو اليمن” كي يخيفهم ويرعبهم ويجعلهم يسبحون بحمد النظام الذي يحارب الإرهاب ويمنع مصر من أن تكون كسوريا. إنه التخويف والتخوين، التخويف من مستقبل قاتم إن وصل الإسلاميون إلى الحكم وتخوين كل صوت ينتقد أو يعارض كل ما تقوم به السلطة الحالية من عمليات قتل أو قمع للمعارضين. فهل يمكن أن ينجح من يمارس الإرهاب ويصنعه أم سينجح من وقع ضحية له فلُوحق واُعتقل وعُذب ولكنه ظل صامدا مؤمنا بقضيته التي قام من أجلها وهي إيصال الإسلام إلى الحكم؟. إننا نجزم أن فزاعة الإرهاب تلك لن تنجح في إبعاد الأمة عن مشروعها النهضوي المتمثل في مشروع الخلافة العظيم، تلك الدولة التي بشرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي ستكون على منهاج النبوة، وإن غدا لناظره قريب، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حامد عبد العزيز – مصر