تركيا تفاوض أوروبا على أرواح اللاجئين المسلمين
(مترجم)
الخبر:
أعلن يوم الثلاثاء الثامن من آذار/مارس أن الاتحاد الأوروبي قد توصل إلى اتفاقية مع تركيا حول اقتراح لمحاولة كبح تدفق اللاجئين من سوريا وغيرهم على أوروبا. وخلال قمة أزمة اللاجئين التي عقدت في بروكسيل طلب رئيس الوزراء التركي داوود أوغلو ستة مليارات يورو من الدول الأوروبية بالإضافة إلى تأشيرة دخول مجانية إلى أوروبا لأهل تركيا وتصعيد المباحثات حول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي مقابل اتخاذ تركيا خطوات أكبر لمنع اللاجئين من مغادرة شواطئها باتجاه أوروبا وأيضًا إعادة آلاف اللاجئين الذين عبروا بحر إيجة إلى اليونان. وتضيق الدول الأوروبية حاليًا الخناق على حدودها لمنع المزيد من الهجرة إلى أراضيها.
14000 لاجئ من سوريا والعراق وأفغانستان وغيرهم من الأطفال والرجال والنساء المسلمين الذين فروا من ويلات الحروب في بلدانهم، عالقون حاليًا على الحدود المقدونية المغلقة في أجواء قاسية من البرد والمطر مع القليل من الطعام والخدمات الصحية والبيئية. وقالت منظمة أطباء بلا حدود الخيرية أن الزعماء الأوروبيين قد “فقدوا الإحساس بالواقع”.
التعليق:
أصبحت بروكسيل سوقًا للنخاسة، تتبادل فيها الدول حقوق الأفراد الذين يعتبرون من أضعف وأعجز الناس في العالم. وفي اندفاعهم اليائس لترحيل اللاجئين المصابين والمرهوبين من بلادهم في سبيل مصالحهم السياسية والوطنية أظهرت الدول الأوروبية كم هي مستعدة لانتهاك مواثيقهم الأوروبية والدولية، والدوس على قوانينهم وقيمهم “لحقوق الإنسان” والتي يدعون أنها أعطتهم تفوقًا أخلاقيًا عالميًا. وبحسب القانون الأوروبي والدولي فإن الطرد الجماعي لطالبي اللجوء السياسي لبلد ثالث يعتبر غير شرعي لأنه يخالف اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين لعام 1951 والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وغيرها من الاتفاقيات الدولية. بالإضافة لهذا فإن المفوض العام للأمم المتحدة للاجئين قال أن الترحيل سيجعل لاجئي سوريا بدون حماية وعرضةً لإعادتهم إلى منطقة حرب. وكتب أحد الكتاب في الغارديان “أوروبا تدفع الأموال ولكنها تهتم فقط بأمر واحد: إبقاء اللاجئين في الخارج”. وحتى المستشارة الألمانية ميركل والتي رحبت باللاجئين في البداية قد أظهرت أن نيتها الحسنة قد تضاءلت أمام تراجع شعبيتها في الاستطلاعات الأخيرة.
في هذه الأثناء تستغل الحكومة التركية الرأسمالية القومية معاناة اللاجئين كورقة مفاوضة لتحقيق طموحاتها السياسية في أوروبا. يبدو أن المشاهد التي تحطم القلوب في اليونان وأوروبا للمسلمين وأطفالهم الذين ينامون في العراء بدون حماية تذكر من الأحوال الجوية الباردة جدًا والماطرة لهذا الشتاء أو وفاة ما يزيد عن 4000 شخص غرقًا في البحر الأبيض المتوسط بما فيهم الأطفال والنساء أثناء رحلة العذاب هربًا من ظروف حياتهم التعيسة في تركيا لإعادة هؤلاء اللاجئين إلى البلاد وبدون شروط وتقديم العون اللازم من الملجأ والحقوق الأساسية والحياة الكريمة حتى لا يحاول المئات منهم الفرار عبر الشواطئ يوميًا. على العكس فإنها، ومن منطلق استغلالي رأسمالي، تسعى لمكاسب سياسية من الدول الأوروبية تعويضًا عما يجب أن تفعله أصلاً من منطلق إسلامي في تقديم الملجأ للمظلومين والمضطهدين المسلمين.
إن أزمة اللاجئين برمتها قد كشفت للعالم أجمع بشاعة وانعدام إنسانية الديمقراطية والعلمانية والرأسمالية والقومية التي تبني عليها الغرب وتركيا وغيرها من الدول في العالم الإسلامي أنظمتها. لقد وضحت الطبيعة الحقيقية للحكومات التي تتحدث عن حقوق الإنسان لتبرير غزو وقصف واستعمار الشعوب الأخرى ولكنهم مستعدون لتجاهل حقوق المضطهدين والمظلومين مقابل المكاسب السياسية وشعبيتهم أمام الناخبين. لقد سلطت الضوء على الأنظمة التي تقدم الشعبية على المبادئ. لقد برهنت على فشل الأنظمة الوطنية المدمرة التي تجرد الأفراد من إنسانيتهم وتغشي أعينهم وتقسي قلوبهم على المعاناة الإنسانية. لقد برهنت على أن مفهوم الدولة الوطنية هو مفهوم خاطئ ومنتهي الصلاحية ولا يستطيع التعامل مع مشاكل العصر الحديث، وأن السبب الرئيسي للاجئين البائسين يتنقل بقسوة من دولة إلى أخرى أو حتى يتركوا بين الدول لأسابيع أو حتى أشهر بدون اعتبار لهذه المعاناة الإنسانية.
إن الطريقة المشينة التي عوملت بها أزمة اللاجئين تعكس الحالة السيئة التي يعيشها النظام العالمي. هذا لأنه نظام عالمي يسيطر عليه النظام الرأسمالي العلماني وقيمه المتآكلة التي أثبتت الاستخفاف الكبير بقدسية الحياة الإنسانية وكرامتها وأثبتت العجز لعلاج هذه الأزمات وغيرها العديد من المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها العالم. في ظل هذا النظام العالمي الحالي لا يوجد عند أي دولة استعداد لتحمل مسؤولية رعاية وأمن المضطهدين والمظلومين نتيجة للمصالح الأنانية السياسية والاقتصادية. كل هذا يؤكد على الحاجة الملحة لميلاد نظام عالمي جديد يسيطر فيه نظام يرفض المنهاج المادي والوطني لمعالجة المشاكل الإنسانية ويخدم بحق الحاجات الإنسانية من غير مساومات أو شروط مما يضع معايير عالمية جديدة يحتذى بها عالميًا. إن هذا النظام هو فقط الخلافة الإسلامية التي تحكم بحسب أوامر الله سبحانه وتعالى القادر الوحيد على تحديد النموذج السياسي الذي سيهتم حقيقةً ويخدم حاجات الإنسان. إنها دولة عرف العالم كرمها وإنسانيتها، إنها دولة فتحت حدودها أمام المظلومين والمضطهدين، مسلمين وغير مسلمين، مؤمنةً لهم الحماية والحياة الكريمة والحقوق الكاملة للتابعية، كما أمر الله عز وجل. إنها حقًا الدولة والنظام الذي يحتاجه العالم في هذه الأوقات الصعبة.
﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَةً۬ لِّلۡعَـٰلَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. نسرين نواز
مديرة القسم النسائي للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير