بسم الله الرحمن الرحيم
مع الحديث الشريف
باب ما جاء في القاضي كيف يقضي
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاتهحدثنا هناد حدثنا وكيع عن شعبة عن أبي عون الثقفي عن الحارث بن عمرو عن رجال من أصحاب معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال كيف تقضي فقال أقضي بما في كتاب الله قال فإن لم يكن في كتاب الله قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أجتهد رأيي قال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم
الشروح
(قال: أجتهد رأيي) قال ابن الأثير في النهاية: الاجتهاد – تعريفه – بذل الوسع في طلب الأمر، وهو افتعال من الجهد والطاقة، والمراد به رد القضية التي تعرض للحاكم من طريق القياس إلى الكتاب والسنة، ولم يرد الرأي الذي يراه من قبل نفسه عن غير حمل على كتاب وسنة. انتهى
وقال الطيبي: قوله أجتهد رأيي المبالغة قائمة في جوهر اللفظ وبناؤه للافتعال للاعتمال والسعي وبذل الوسع، قال الراغب: الجهد الطاقة والمشقة، والاجتهاد أخذ النفس ببذل الطاقة وتحمل المشقة، يقال: جهدت رأيي واجتهدت أتعبته بالفكر، قال الخطابي لم يرد به الرأي الذي يسنح له من قبل نفسه، أو يخطر بباله على غير أصل من كتاب وسنة، بل أراد رد القضية إلى معنى الكتاب والسنة من طريق القياس، وفي هذا إثبات للحكم بالقياس، كذا في المرقاة (الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله) زاد في رواية أبي داود لما يرضي رسول الله.
إن ما يحزننا اليوم هو كثرة دور القضاء وكثرة القضاة ومعرفة الأحكام لكن لا ينزلوها على الواقع، إلا مَن رحم ربي منهم، عندما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بم يقضي كان للاطمئنان بأنه لن يحكم هواه بما لله فيه رأي، وأن يجعل مصادره القرآن والسنة ولو لم يجد فليجتهد بالأحكام التي لا نصوص فيها تدلل عليها، أي ليبذل وسعه في طلب الحكم الشرعي إن لم يوجد في نص صريح، وهذا من باب التشديد على عدم تحكيم الهوى واتباعه، فما بالكم فيمن يعلم الأحكام ويعلم الأوامر سواء في الأحكام التي ليس فيها نصوص وتم الاجتهاد فيها أم بما ورد فيه نص صريح ويدير وجهه عنه كأنه لم يره لأنه لا يتماشى مع أهواء الحكومات التي عينته قاضي ولا تتلاءم مع نظام الدولة الذي بني على غير أساس الإسلام؟
فيا أيها القضاة: اتقوا الله فينا، واتقوا الله في أنفسكم .. واعلموا أن لقاضي الأرض يوم وسيلقى فيه قاضي السماء ليسأله عما قضى.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.