نسوا أم تناسوا فالأمر سيان، إذ أصبحوا كلهم في العراء سواء
الخبر:
بعد إعلان روسيا انسحابها الجزئي من سوريا، قال سالم المسلط المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات إنه إذا كانت هناك “جدية” في تنفيذ الانسحاب فسيعطي ذلك دفعة إيجابية للمحادثات.
التعليق:
بدأت الثورة في سوريا عندما كتب الأطفال على أحد الجدران “الشعب يريد إسقاط النظام”، وقتها كان الكلام في السياسة جريمة تسمعها الجدران لتنقلها إلى الشبيحة لتكون الأفرع الأمنية هي نهاية كل من تجرأ بلفظ على النظام البعثي، ثار الشعب السوري بينما كان العالم يراهن على إمكانية ثورته ضد نظام دكتاتوري يضرب بيد من حديد.
خمس سنوات مرّت راح ضحيتها مئات الآلاف بل الملايين، بين قتيل وجريح ومهجر ومعتقل، عمدت الدول الكبرى بقيادة أمريكا إلى سرقة أهداف الثورة لحماية عميلها الذي ورث الحكم البعثي عن والده المقبور، فتوالت الحلول بالنسبة لها لتخرج من مأزق ثورةٍ شعبية اختلفت عن سابقاتها بالتضحيات الجسام التي قدمها شعب رفض الخنوع مرة أخرى بعد أن علت صيحاته “هي لله هي لله”.
سنوات توالت وأمريكا لم تيأس من محاولاتها العقيمة، حتى إنها استقدمت جيوش العالم وتحالفت على قتل المسلمين وإخضاعهم مع دول لطالما فرقتهم المصالح السياسية، في حين إنها لم تتوقف عن محاولة إيجاد البديل الملائم ليكمل مسيرة عميلها الظالم، فأتت بشخصيات كالحرباء تتغيّر وجوههم بتغيّر أماكنهم وتتبدّل تصريحاتهم حسب مصالحهم يلبسون أقنعة تخفي وجوههم القبيحة، عسى أن يلقوا القبول عند من ضحى بدمائه وثار على ظلم حاكمه، فسقطت هذه الأقنعة أمام إصرار المخلصين بكشف زيفهم وإظهار عوارهم، بأنهم لم يؤتَ بهم إلا لبيع التضحيات في مزادات سياسية ومناصب بهيئات انتقالية، والجلوس مع الجزار ومن تلطخت يداه بدماء أطفال صغار بعد أن قالوا عنهم إرهابيون يستحقون الموت بانفجار.
وها هم يجلسون على طاولة واحدة برعاية أمريكية لتقاسم كعكة الدولة المدنية، وبيوم مدروس ومخطط له أعلنوا انسحاب القوات الروسية وتبعها ميليشيات حزب إيران ومن ثم تسارعت الأحداث وأعلنوا عن اجتماع في تركيا يضم الفصائل المسلحة الملتزمة باتفاق وقف إطلاق النار. وأكد رئيس هيئة أركان الجيش الحر أن الاجتماع المقرر في أنقرة سيفضي إلى تجديد “التأييد الكامل” من قبل المعارضة المسلحة للوفد المفاوض في جنيف، وأنه سيتم الاتفاق على تشكيل قيادة عسكرية عليا وغرفة عمليات موحدة، بحيث يتم التنسيق بين هيئة الأركان وجميع الفصائل المعارضة.
لقد اعتبرت أمريكا وقف إطلاق النار وإشراك بعض الفصائل المسماة إسلامية في قبول الهدنة والمفاوضات نجاحا كبيرا لها منذ خمس سنوات في مواجهة الثورة ضد نفوذها وعملائها في الشام، وها هي تستثمره بتسريع الحل السياسي الذي لطالما كانت تروج له بالرغم من بعض الهرطقات الإعلامية والتهديدات المبطنة وتكثيف الغارات المتلاحقة، لتُظهر المعارضة بموقف الحيرة بين خيارين صعبين؛ إما استمرار القتل وإما الخضوع للمفاوضات وفق المشروع العلماني لسوريا.
وها هي المعارضة السورية، الاثنين (14 آذار/ مارس 2016)، رحبت بإعلان روسيا أنها ستبدأ سحب قواتها من سوريا، قائلة إن الانسحاب سيعطي محادثات السلام قوة دفع إيجابية. وقال سالم المسلط المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات إنه إذا كانت هناك “جدية” في تنفيذ الانسحاب فسيعطي ذلك دفعة إيجابية.
لقد تناست المعارضة إحصائياتها عن مجازر روسيا في قصف المدنيين وبضرورة محاسبتها عن جرائمها، بل تناست كل الدعوات السابقة باعتبار روسيا أنها تمارس جرائم حرب وإبادة منظمة بحق أهل سوريا. لقد تناست شروطها السابقة بضرورة الإفراج عن المعتقلين وبضرورة السماح للمساعدات الإنسانية بالدخول إلى المناطق المحاصرة منذ أشهر عدة.
نسيتم أو تناسيتم فالأمر سيان، ولكن أهل سوريا لن يغفروا لكم خذلانكم وسينظرون لكم على أنكم شاركتم بقتلهم وتشريدهم وتدمير البيوت على رؤوسهم، فلقد أيقنوا أن ثورتهم هي بحق كاشفة فاضحة، فقد كشفت المتآمرين وفضحت المنافقين، وأصبحوا كلُّهم في العراء سواء، فلا ينخدع بهم إلا غافل ولا يأمن مكرهم إلا جاهل… إنهم المطمئنون بأن مشاريع الكفار سيأتيها فشلها من حيث لا يحتسب أهلها.
﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رنا مصطفى