أهلنا في الشام … نحن منكم وأنتم منا
صدق رسولنا الكريم ﷺ، بأنه سوف تأتي علينا سنوات خداعات، أشد سوادًا من الليل المظلم ليس فيه قمر، فهذه الأيام تجسد هذا الواقع المرير، رُوي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ يَنْطِقُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ».
إن هذا الكلام العظيم من خير خلق الله تعالى، محمد ﷺ، لا مبالغة فيه، حاشاه ذلك رسول الله ﷺ، بل هو يخبر عن أمته كيف سيكون حالها في مثل هذه الأيام التي نعيش فيها. فنحن الآن نرى بأم أعيننا كيف أن هذه السنوات خداعات تخدع الإنسان، فلا يعود المرء يميز بين العدو والصديق، وليس هذا فحسب، بل من يميز يضل عن الحق، لمتاعٍ في الدنيا، أو حتى من أجل أن يثني عليه ظالم أو فاسق.
والغريب أيضًا أننا نجد من يتلبسون بلبوس الإسلام من أجل ضرب فكرته وأهله! لا لاختلاف في وجهات النظر، أو لاتباعه رأيًا معينًا، فهو لا صلة له بالدين سوى اسمه، ولا يفهم من السياسة سوى أنها عمل لا يليق إلا بأسياده.
وهنا يجب أن نقف على زاوية أخرى، وهي تصديق الكاذب، أليس هذا من الأمور العظيمة التي تعني اتباع من ثبُت كذبه، واتصف بهذه الصفة القبيحة، التي لا يتصف بها مؤمن، قال تعالى: ﴿إنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ [النحل: 105]، فكيف بعد هذا نركن لمثل هؤلاء؟! فنحن نرى ونسمع على شاشات التلفاز الكاذبين يدعون الصدق، ونراهم يتصدرون المشهد على أنهم المدافعون عن الحقوق، العالمون، وهم يبعدون كل البعد عن الحق وأهله، ويتقربون للباطل وأهله.
عندما نرى من يسمون أنفسهم مسلمين يقفون وقفة ذل أمام قاتل ظالم فاسق، أو حتى كافر، علينا أن نشك فيهم، ونشك فيما يرمون إليه، وإلى أية غاية يسعون، والتي لا نرى فيها أية مرضاة لله ولكن مرضاة للغرب الكافر وعملائه من أهل الحجاز وتركيا وغيرهم. إنكم تعلمون يا من تفاوضون الكفرة على حقوقكم أنكم عن الإسلام وعدله تبتعدون، ولغضب الله تسعون، ولأهل الحق تعادون، ولدماء الشهداء تبيعون. ألا يوجد في وجوهكم ماء تستحون به أمام أهلكم بعد ربكم؟! إن من تفاوضون هم الكاذبون، فكيف لكم أن تجلسوا مع أمثال هؤلاء الخونة، أم أنكم ممن يؤمن الخائن فيصدق فيكم الحديث. ارشدوا، وتمسكوا بدينكم، وإلا أهلككم عدوكم. إن أمثال هؤلاء من كبيرهم حجاب الذي لسان حاله أنه لا يريد الجهاد، وما يخفي أكبر، هؤلاء لا يعلمون من السياسة شيئًا، سوى الظهور على شاشات التلفاز، والتقاط الصور، وإلقاء الكلام الفارغ، الذين هم يعلمون والجميع يعلم أنهم يكررون ما يُطلب منهم، ويسحبون كلامهم متى طلب منهم ذلك.
كيف لثورة عظيمة مثل ثورة الشام، التي استُشهد فيها الآلاف وهُجر بسببها الملايين، يتفاوض عليها أمثال هؤلاء النكرات؟ كيف لنا أن نقبل بهم وهم متسولون لغيرهم، لأن يكون لهم في دماء الشهداء باع؟ دعوكم من أصحاب الفنادق والعبارات الرنانة، والمشاعر الكاذبة.
يا أهلنا في الشام، أنتم أهل الخير كله، يجب أن تسمعوا إلى أصوات الحق التي تناديكم من قلوب مخلصة لله ولدينها ولأهلها. فلا تبيعوا الغالي والنفيس بثمن بخس وأنتم الأعلون، واسمعوا لمن لم يكذبكم يومًا، ولم يكن لكم مخادعًا في أي ميدان.
إن شباب حزب التحرير لم يكونوا يومًا سوى مخلصين لدينهم، ناصحين لأهلهم، وأنتم تعلمون وعلى الحق ثابتون، فلا تميلوا قيد أنملة عما جاء في كتاب الله وسنة نبيه. نحن منكم وأنتم منا، فلا تدعوا الرويبضات وأياديهم وأسيادهم يتحكمون بكم، أو حتى أن يفرضوا عليكم رأيهم، وهم فاقدو البصر والبصيرة.
إن هذه الثورة العظيمة التي كشفت كل خائن وكاذب ومتآمر عليها، لا يجب أن تترك لأمثال هؤلاء الذين لا يعلمون من الدين سوى ما يُقال لهم، ولا يقولون إلا ما يُحفّظون، ولا يفقهون من السياسة شيئًا، ولا يعلمون من أين تؤكل الكتف.
إننا في حزب التحرير لدينا من الثقافة ما يكفي لنسيّر دولة عظيمة تشبه دولة الخلافة الراشدة السابقة، وعندنا العدد الهائل من المفكرين ما يكفي لتسيير العالم كله. ونحن في حزب التحرير لا نكذب، لأننا نؤمن بالله، وعليه نتوكل، ونتبع سيرة رسول الله ونقتدي به، ونحن أصحاب مبدأ، لا نحكّم إلا عقيدة الإسلام.
وهذا ليس كلامًا بل واقع ترونه بأم أعينكم إن شئتم، فتحكمون عليه، إن شباب حزب التحرير منكم، وأنتم منهم. إن حزب التحرير لا يكذب أهله، وعلى الحق يسير، ونريد من أمتنا أن تتصدر الأمم، وتعلو كلمة الله، وتبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
إننا لا نسعى لمنصب ولا لمغنم من هذه الدنيا، لا نسعى سوى لمرضاة الله تعالى، وللنصر والتمكين لهذا الدين العظيم. ونحن أكثر الناس غيرةً على أمتنا، وكل ما يحدث لها، ونريدها أن تكون كما كانت، وتبقى إلى قيام الساعة خير أمة، لا يتحكم فيها متسلق ولا مضبوع ولا رويبضة لا يعي من الحق شيئًا.
فيا أمتنا الكريمة، إننا نستصرخكم بأن تضعوا حدًا لهذه المهزلة التي تحدث في أرضنا، بحيث يتكلم عنكم كل علماني أو متسلقٍ عاصٍ لدين الله، وإننا لنستصرخكم ونقول لكم إننا لن نخونكم ونحن لكم ناصحون. أعلوا كلمة التوحيد، وابتعدوا عن أي شكل من أشكال الاستعمار، ففيه السم الذي يقتل أمتنا ويضيعها.
وأخيراً أسال الله أن يرشدنا إلى سواء السبيل ويفتح لنا قلوب أبناء أمتنا، من أجل العمل لإعادة الإسلام إلى سدة الحكم، ورفع راية التوحيد فوق الرؤوس في القريب العاجل.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. ماهر صالح – أمريكا