ما يخرطونه في جنيف لا محل له على أرض الشام فثورة الشام تستنزف أمريكا وروسيا وتنبذ الخونة وتستهلك العملاء
ما يخرطونه في جنيف لا محل له على أرض الشام
فثورة الشام تستنزف أمريكا وروسيا وتنبذ الخونة وتستهلك العملاء
الخبر:
وصل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى موسكو الأربعاء 2016/3/23 في زيارة يسعى خلالها إلى الاطلاع على موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومدى استعداده لبحث مسألة بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة. ويعتبر مسؤولون أمريكيون أن مسألة مستقبل الأسد أساسية لإعطاء زخم لمحادثات السلام التي يجريها مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في جنيف مع طرفي النظام والمعارضة بهدف إنهاء النزاع السوري.
التعليق:
بدايةً لا بد من التأكيد أن كيري لا يذهب إلى موسكو لمعرفة استعداد بوتين لبحث أمر معين، والصواب أنه ذهب لبحث تفاصيل الأمر. وهو ترتيبات لخروج بشار الأسد من السلطة من دون مجازفات. واللقاء يحصل ووفدا المعارضة والنظام في جنيف. وهذا يشير إلى استعجال أمريكا على حل الأزمة السورية المستعصية.
إن بقاء بشار أو رحيله عقدة تجمد المفاوضات. وقد صرح كيري في المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم الجمعة عقب لقائه ببوتين بأن على الأسد أن يدرك أنه لا يمكنه الاستمرار في الحكم.
وكان وليد المعلم قد صرح في 12 آذار قبيل بدء المفاوضات أن بشار أسد خط أحمر، وصرح مثله وفد النظام. بينما تصريحات وفد المعارضة والسعودية تصر على أن تتناول المفاوضات مصير بشار وآلية رحيله.
في الخبر أعلاه أن بحث مستقبل الأسد مسألة أساسية لإعطاء زخم لمفاوضات جنيف الجارية. وهذا يعود بنا إلى إعلان روسيا عن انسحابها (الجزئي) من سوريا في 15 آذار، والذي تزامن مع بدء المفاوضات بين وفدَي المعارضة والنظام في جنيف. وقد صدرت تصريحات روسية رسمية بأن الانسحاب جاء دعماً لمفاوضات جنيف.
فكيف يمكن أن يكون الانسحاب الروسي دعماً للمفاوضات؟ وكيف يعطي بحث مستقبل الأسد زخماً للمفاوضات؟
إن وفدَي المعارضة والنظام مطلوب منهما أمريكياً التوصل إلى حل يتضمن تشكيل حكومة انتقالية، ويتضمن خروج بشار من الحكم، يُطرح أن يكون ذلك خلال 18 شهراً. وخلف كل من الوفدين قوى في سوريا، إما أنها ترفض المفاوضات من أصلها، وإما أنها تنتظر منهما تحقيق انتصارات واضحة.
غالبية وفد المعارضة لا تكاد تمثل شيئاً عند الشعب في سوريا، والقليل الذي له بعض قبول يتهاوى إذا قدم تنازلات ولم يحقق مطالب الشعب. والشعب يطالب برحيل النظام ورموزه وأركانه. لذلك كان لا بد من إعطاء المعارضة مكاسب معينة.
وبما أن معظم تفاصيل الحل مرفوضة من عموم أهل سوريا، فلن يبقى للمعارضة ما يحفظ ماء وجهها أو يُبقي لها قبولاً عند الناس إلا تضمين مخرجات المفاوضات شيئاً يتعلق برحيل بشار.
بشار أسد عميل أمريكي ومستعد لتقديم هذا التنازل، ولكن الأمر يحتاج لإخراج. إذ إن أركان جيشه وقادته، والفعاليات الداعمة للنظام، مقتنعون حالياً أنهم أقوياء، وأنهم على وشك حسم الصراع والقضاء على الثورة، وخصوصاً بعد الانتصارات التي تحققت لهم بمساعدة روسيا. لذلك لا يقبل هؤلاء بأي تنازل فضلاً عن أن يتنازلوا عن الحكم وامتيازاته. ولا يرد عندهم بعد هذه الانتصارات القبول برحيل بشار، ولا بحث هذا الأمر أصلاً. ولذلك وجدنا وليد المعلم يعلن قبيل بدء المفاوضات، ويعلن مثله وفد النظام أن مستقبل الأسد ليس محل بحث. والعقدة في الحقيقة ليست عند هؤلاء. فوليد المعلم وبشار الجعفري رئيس وفد النظام عملاء لأمريكا. ولكن هؤلاء وبشار يخشون تقديم تنازلات لا يتفهمها المحيطون ببشار، وقد تؤدي إلى أمور غير محسوبة. لذلك فكما احتاج وفد المعارضة إلى مكسب يتعلق بمستقبل بشار، فقد احتاج وفد النظام استبعاد هذا الأمر كلياً من البحث.
في هذه الأجواء، وبالتزامن مع بدء المفاوضات، جاء إعلان روسيا انسحابها من سوريا. فهذا يمكن أن يساهم بإقناع قوى النظام وفعالياته أن يقبلوا ببعض التنازلات وهم منتصرون، قبل أن يضطروا إليها اضطراراً بعد خروج روسيا. وهذا يفسر التصريحات الروسية بأن انسحاب روسيا من سوريا هو لدعم المفاوضات.
وزيادة في إقناع قوى النظام بقبول بحث مستقبل بشار، جرت تسريبات عن انسحابات لحزب الله من سوريا. وقد جاءت تحذيرات أمريكية للبنان من أن تنظيم الدولة يهدد لبنان في البقاع والشمال، وهذا يبرر انسحابات كبيرة لحزب الله من سوريا، تزيد من ضعف أركان جيش بشار وقواته، وتساهم بإقناعهم بالرضا ببحث رحيل بشار.
وفي هذه الأجواء، تأتي زيارة كيري لموسكو وتصريحه بشأن مستقبل بشار، الذي يشكل بظاهره ضغطاً عليه، وفي الحقيقة يساعده على تبرير القبول بالتنازلات المرسومة، وعلى إقناع المحيطين به ليتفهموا الخطر المحدق بهم وليقبلوا بإدراج مستقبل بشار على قائمة البحث. وهذا ما سيرجع وفد النظام إلى سوريا لترتيبه. ثم تبدأ جولة جديدة من المفاوضات بعد الترتيبات التي تجريها أمريكا، وينقلها كيري لروسيا، والتي سيكون لها دور في الضغط على أركان جيش بشار وداعميه.
وهذا يفسر الخبر عن المسؤولين الأمريكيين أن بحث كيري مع بوتين لمستقبل الأسد يعطي زخماً لمحادثات السلام التي يجريها ستيفان دي ميستورا. لذلك فإن زيارة كيري هي لبحث الخطوات القادمة في المفاوضات بين الوفدين ولترويض جماعة النظام وإقناعهم بالتنازل، ولتكليف روسيا بمهمتها في ذلك.
إن حاجة كل من وفديْ النظام والمعارضة إلى مكاسب، وعدم قدرة أي منهما على تقديم تنازلات، هو من العوائق في وجه أمريكا في سوريا، حيث إنها تأتي بعملاء لها ليتفاوضوا، ولكنهم لا يستطيعون تمثيل الناس على الأرض بما يتوصلون إليه.
وهذه الجولة الجارية من المفاوضات في جنيف لا تختلف عما سبقها، بل هي أشد على أمريكا وأخطر، لأنها تكاد تستنفد كل عملائها، وبخاصةٍ أولئك الذين يرفعون شعارات إسلامية تُرضي أهل سوريا، ثم يوافقون على البنود الأمريكية التي تحفظ نفوذ أمريكا ومصالحها، ولا تقيم وزناً لأحكام الإسلام.
إن الذين ذهبوا إلى جنيف تحت رعاية أمريكا وروسيا، وسبحوا في مستنقع المفاوضات المخزية، وخصوصاً الذين اتخذوا الإسلام شعاراً، هم بحاجة ماسة لما يحفظ ماء وجههم أمام الناس. وهذا ما لا تستطيع أمريكا أن توفره لهم. لذلك سيعودون من مفاوضات اللهاث خلف السراب محملين بأوزار الخزي، ثم سيلتحقون بمن سبقهم من المنبوذين.
قال تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ صدق الله العظيم.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير