السياسة الإسلامية الحقيقية هي الخير كل الخير
لفت نظري قول أحد المحللين الذين تستضيفهم القنوات الفضائية: “السياسة ليس فيها فاعل خير”، وقفت عند العبارة طويلاً، ومع أن قائل العبارة أصاب فيها حين قالها في سياق وصف سياسات الدول الكبرى المتعلقة بسوريا، وسياق وصفٍ لسياسيين معاصرين في هذا الزمن الرأسمالي البراغماتي، لكن العبارة تحتاج إلى وقفة متأنية تكشف الحقيقة.
أصل السياسة في اللغة رعاية الشؤون، ذلك أنها مشتقة من الفعل ساسَ يسوس، ويوصف راعي شؤون الخيل بالسائس، فالأصل في معناها اللغوي هو رعاية الشؤون، واستخدم الإسلام هذا اللفظ ومشتقاته بالمعنى اللغوي مضافاً إليه الأساس الذي تقوم عليه رعاية الشؤون، وهذا الأساس هو الإسلام، ومنه الحديث الذي رواه البخاري: عن النبي e قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء فيكثرون». قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «فوا ببيعة الأول فالأول أعطوهم حقهم؛ فإن الله سائلهم عما استرعاهم»، فالسياسة في الإسلام هي رعاية شؤون الناس في الداخل والخارج بأحكام الإسلام.
والسياسة على هذا الأساس هي الخير كل الخير، فالله تعالى وصف الإسلام بأنه الخير، قال سبحانه وتعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
بالسياسية الإسلامية الحقيقية رعى الخلفاء شؤون المسلمين، فتحقق العدل بين الناس على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وطبقاتهم، أنصفوا الفقير من الغني، والضعيف من القوي، وساد الرخاء بلاد المسلمين ثلاثة عشر قرناً من الزمان، وتقدمت العلوم بمختلف فروعها، وازدهرت الصناعات، وكثرت الاختراعات والاكتشافات، وعمّ الأمن والأمان أجزاء كبيرة من العالم، كان يحكمها الإسلام بالسياسة الإسلامية الحقيقية.
بالسياسة الإسلامية الحقيقية حمل الخلفاء على مر القرون الثلاثة عشر الخير كل الخير لكل الناس الذين وصلوا إليهم، حملوا إليهم الهداية والنور، وأخرجوهم من الضلال والظلمات، وما زالت تلك الأمم والشعوب تدين بالإسلام، ولم يعرف عن شعب اعتنق الإسلام ثم تركه.
بالسياسة الإسلامية الحقيقية تحققت الطمأنينة لجميع البشر الذين حكمهم الإسلام، سواءٌ أدخلوا فيه أم بقوا على أديانهم، تحققت السعادة بمفهومها الحقيقي، وزال الشقاء الذي كان يعتمل في النفوس بسبب المفاهيم الخاطئة، والمقاييس المقلوبة، والعقائد الباطلة، كل ذلك أزاله الإسلام بسياسته الحقيقية، ذلك أن معالجاته انصبت على الإنسان بوصفه إنساناً، وحلوله كانت حلولاً لمشكلة إنسانية، وليست لفئة من الناس، ولا لمشكلة اقتصادية أو اجتماعية، ولا لمشكلة لرجال أو نساء، أو صغار أو كبار، أو سود أو بيض، بل بوصفها مشكلات إنسانية، تمرّ بالإنسان بوصفه إنساناً فيه حاجات عضوية وغرائز، بهذا تحقق العدل والأمن والطمأنينة.
السياسة الإسلامية الحقيقية لا تعتمد المصلحة المتغيرة أساساً لها، بل هي المصلحة الشرعية التي يقتضيها الحكم الشرعي المنزّل من عند الله تعالى خالق الإنسان، الذي يعلم مَنْ خَلَقَ، وهو اللطيف الخبير، السيادة في السياسة الشرعية ليست للحاكم، ولا للشعب، ولا لفئة، بل السيادة في الإسلام للشرع، يخضع الحاكم والمحكوم لأحكام الشرع، ليس فيها حصانة لمفسد أو فاسد، يستطيع غير المسلم من رعايا الدولة الإسلامية أن يقاضي الحاكم إن ظلمه أو غمطه حقه، ويستطيع أن يقاضي أي شخص يسيء إليه، ويستمع إليه القاضي ويسمع حجته، وينصفه ممن ظلمه حتى لو كان العامل أو الوالي أو الخليفة، لأن السيادة في السياسة الإسلامية للشرع، وليس للشعب أو للحاكم، ولا لقويّ ولا لغنيّ.
السياسة الحقيقية هي السياسة الإسلامية، هي السياسة التي تحمي الصغار والنساء والشيوخ وغير المحاربين في حالة الحرب، فلا تقتلهم ولا تجوّعهم، وهي التي تحمي الحجر والشجر، وهي التي تحفظ البيئة فلا تلوثها، والغاية من الحرب في السياسة الإسلامية ليست نهب ثروات الآخرين، ولا سفك دمائهم، بل إخراجهم من الظلمات إلى النور بحمل الإسلام إليهم، ليطبق عليهم ومن شاء أن يعتنقه فله ذلك ويكون قد حاز الخير كل الخير، ومن لم يرد اعتناقه فلا يجبر على ذلك، لكنْ له علينا حق الإنصاف وحسن الرعاية والحماية.
لكن العالم اليوم ابتُلِيَ بالمبدأ الرأسمالي البراغماتي، الذي لا يعرف إلا المصلحة النابعة من الهوى، حتى لو كان على حساب أرواح الناس ودمائهم وأعراضهم، السياسة الرأسمالية مصلحة مادية بحتة، لا تعرف الخير مطلقًا، بل إنها تتخذه مطيةً في إعلامها وتصريحاتها للوصول إلى المصالح المادية البحتة، سياستها الخارجية لا تعرف إلا الاستعمار وامتصاص دماء الآخرين ونهب خيراتهم وثرواتهم، لا تعرف إلا استعباد الآخرين لتحقيق مصالحهم الشخصية، السياسة الرأسمالية لا تقوم على رعاية الشؤون لا في الداخل ولا في الخارج، بل تقوم على حماية حريات فئة معينة في الداخل على حساب آخرين، وتقوم على الاستعمار في الخارج لتحقيق الرفاهية لفئة من الناس في بلادهم…
السياسة الرأسمالية لا تعرف إلا النزاع والشقاق والخصام والقتال وسفك الدماء، السياسة الرأسمالية تفرّخ الجريمة بمختلف أنواعها، السياسة الرأسمالية ليس فيها خير، وليس فيها فاعل خير كما قال المحلل المشار إليه في أول المقال.
العالم اليوم ينتظر من يخلّصه من شرور السياسة الرأسمالية البراغماتية، العالم لم يعرف إلا الشقاء بجريرة هذه السياسة، العالم يبحث عن السعادة والأمن والطمأنينة، لكنّ هناك دولاً تستعبد أولئك الناس، وتمنع وصول الخير إليهم، هذا الخير هو الإسلام وفي الإسلام ولا يكون خير في غير الإسلام.
إنها دولة الخلافة على منهاج النبوة، الخلافة الراشدة، سيكون فيها الرشد كله، والخير كله، وتحمل للعالم كله، وللناس كلهم، دولة الخلافة التي تطبق السياسة الإسلامية، سياسة الخير والهدى والرشاد، سياسة السعادة والأمن والطمأنينة… وإن غدًا لناظره قريب.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
خليفة محمد – الأردن
2016_03_28_Art_Real_Islamic_politics_is_the_all_goodness_AR_OK.pdf