خامنئي: مستقبل إيران ليس في المفاوضات بل في الصواريخ
الخبر:
نقل الموقع الإلكتروني لخامنئي عنه قوله إن “من يقولون إن المستقبل هو المفاوضات وليس الصواريخ إما جهلاء أو خونة”.
وأضاف خامنئي أنه “إذا سعت الجمهورية الإسلامية للمفاوضات دون أن تملك قوة دفاعية فإنها ستضطر للرضوخ أمام تهديدات أي دولة ضعيفة”.
وكان رفسنجاني كتب تغريدة على موقع “تويتر” الأسبوع الماضي قال فيها إن “المستقبل في الحوار وليس الصواريخ”.
وتأتي تصريحات خامنئي أيضا على خلفية إعلان الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين في 29 مارس/آذار في خطاب مشترك أن إيران تحدت بإطلاقها صواريخ قادرة على حمل أسلحة نووية قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، الذي أيد الاتفاق النووي التاريخي المبرم العام الماضي.
وجاءت هذه الخطوة في أعقاب تنفيذ الحرس الثوري الإيراني في وقت سابق من الشهر الجاري عملية تجربة إطلاق صواريخ باليستية، التي قال الحرس إنها استعراض لقوة الردع غير النووية التي تمتلكها إيران.
وجدير بالذكر أن خامنئي أيد الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران العام الماضي مع القوى العالمية، لكنه دعا إيران منذ ذلك الوقت إلى تجنب أي تقارب أكبر مع الولايات المتحدة وحلفائها والحفاظ على قوتها الاقتصادية والعسكرية. (روسيا اليوم نقلاً عن وكالات 2016/3/30).
التعليق:
لا شك أن هذا التصريح للمرشد الأعلى للدولة الإيرانية خامنئي يكشف عن صراع في أجنحة الحكم في الدولة الإيرانية، وهذا الصراع ليس خافياً على أحد من السياسيين. ولكن البعض قد يخطر بباله أن أحد طرفي هذا الصراع يتموقع في بؤرة الاستقلال بالقرار الإيراني عن أمريكا، والحقيقة أن هذا الصراع بين الجناحين المعروفين بالمحافظين والمعتدلين لا يخرج أبداً عن دائرة النفوذ الأمريكي في إيران؛ وذلك أن أحداً في أجنحة الحكم في إيران لا يستطيع التفكير في المصالح الإيرانية بعيداً عن التنسيق مع أمريكا. ولا يوجد في إيران مداولات أو جدل حقيقي وسط السياسيين حول مستقبل إيران وكيف يكون أو مراجعة للسياسة الإيرانية؟ فالمحافظون والمعتدلون يتأرجحون بين الدوران في فلك أمريكا أو السقوط في العمالة المباشرة لها كوزير الخارجية جواد ظريف.
فإيران لا تناقش أبداً مسألتي الصواريخ أو المفاوضات كدولة مستقلة، وموقع هاتين المسألتين إنما يبحث عنه في دور أي منهما في متطلبات النفوذ الأمريكي في المنطقة، وذلك على النحو التالي:
لم تبرز إيران (ولاية الفقيه) كدولة ذات قيمة ووزن إقليميين إلا بعد الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003، فقد كانت قبلها تلملم جراحها الناتجة عن ثماني سنوات الحرب مع العراق. وقبل تلك السنة لم تكن إيران تُرى كدولة طائفية، ولكن عندما حمل المحافظون الجدد بقيادة بوش الابن مشاريع جديدة لتقسيم المنطقة على أساس طائفي بدءًا من العراق الذي احتلته أمريكا فقد أرخت إيران العنان للمسألة الطائفية، وكاد ذلك يكون محصوراً بالعراق. فهي من جهة منعت الجماعات العراقية التي لها نفوذ عليها من قتال القوات الأمريكية حتى كادت المقاومة العراقية تنحصر في محافظات شمال وشرق العراق فقط. أي أن أمريكا هي التي بعثت الطائفية في إيران لتكون لها مساعداً في تقسيم العراق حتى كان لأمريكا ما شاءت من بناء الدولة العراقية على أساس طائفي.
وفي هذه السنوات وفي الوقت الذي كانت فيه أمريكا تريد بناء قواعد عسكرية وترسيخ وجودها في منطقة الخليج برزت إيران كباعث لعدم الاستقرار في المنطقة وازدهر برنامجها النووي مهدداً المنطقة بكاملها، فلم يكن مجال لدول الخليج ذات التبعية الإنجليزية في غالبها إلا الارتماء في أحضان أمريكا خوفاً من إيران.
ولما اندلعت المظاهرات والاحتجاجات العربية في بلدان الربيع العربي كانت إيران في موقف محرج، فهي دولة تعلن أنها ثورية ومع التغيير، وكانت مواقفها مرتبكة، فباركت احتجاجات البحرين واليمن ودعمتها بالمال والسلاح دعماً حقيقياً من أجل خلع النفوذ الإنجليزي من هذين البلدين، وكان كل ذلك بالتنسيق مع أمريكا، فقد كان السفير الأمريكي في البحرين يتدخل كثيراً من أجل إطلاق سراح محتجين موالين لإيران وينتقد الدولة في قمع الاحتجاجات. وأما في سوريا فقد وقفت إيران علناً مع النظام المجرم والعلماني مع أن إيران تعلن عن نفسها أنها دولة إسلامية!
كانت الثورة السورية المباركة أكبر كاشف لوجه إيران الكالح، فقد جندت أشياعها وأتباعها في لبنان وأفغانستان وغيرها ولا تزال للدفاع عن الأسد ومنع سقوطه، وفي هذه الأثناء كانت أمريكا ولا تزال تمنع أي ردة فعل دولية ضد الأسد، بل تمنع الدول من تقديم السلاح النوعي للثوار، حتى استطاعت أمريكا تلطيف الأجواء الدولية في وجه الأسد ليصبح مفاوضاً نظيفاً في جنيف، وليس أمام محكمة العدل الدولية لعقابه على جرائمه. وهكذا فإن دور إيران يكمل دور أمريكا في منع سقوط الأسد قبل أن تجد أمريكا البديل العميل.
لكن إيران وأثناء تقديم الدعم للأسد أوشكت على الإفلاس بسبب طول الثورة السورية، فما كان من أمريكا إلا أن أمسكت نفسها بزمام المفاوضات معها في البرنامج النووي حتى أوجدت له اتفاقاً، وذلك لسببين: الأول، لتمكين إيران من استعادة أموالها المجمدة وتصدير النفط حتى تستطيع الوفاء بالمهمة الأمريكية الموكلة إليها وهي الدفاع عسكرياً عن الأسد، والثاني، حتى تتمكن أمريكا من التعامل علناً مع إيران في مشاكل المنطقة، إذ إن كثرة الأزمات بعد الربيع العربي يتطلب تنسيقاً أكبر مع إيران وإخراج التعاون الأمريكي الإيراني إلى العلن. وهكذا أوعزت أمريكا ببرودة إلى إبعاد المحافظين عن الحكم، فكان تنصيب روحاني من الجولة الأولى في انتخابات 2014 أمراً غريباً وسريعاً.
جاء روحاني ليتم الاتفاقية النووية وتطبيع العلاقات مع أمريكا علناً. وبهذا الاتفاق فقد خسرت إيران مليارات الدولارات التي كانت قد أنفقتها على مشروعها النووي، الذي أيده خامنئي نفسه المحسوب على المحافظين. وهنا أصبح الحرس الثوري وما يمثله من المحافظين بحاجة إلى التذكير بنفسه وبوجوده في الدولة الإيرانية فاستمر في تجارب الصواريخ مع أن قيمتها عشر معشار البرنامج النووي الذي تخلت إيران عن معظمه حسب مطالب الغرب (غير البعيدة عن مطالب كيان يهود).
وقد يروق للبعض أن يرى جدلاً في إيران بين المتلهفين للدول الغربية كما ظهرت في صفقات التعاون الاقتصادي وإعادة فتح الاستيراد والتصدير وتحديث الأسطول الجوي وبين آخرين يدعون إلى الصواريخ كمستقبل إيران، لكن هذا كله للاستهلاك المحلي، ولا قيمة حقيقية له. فالكلمة الفصل في إيران ومستقبلها وأي جدل بين سياسييها الحاليين هي لأمريكا، ومن لا يعترف بذلك فإنه يقع ضحية الكلمات الرنانة عن الشيطان الأكبر وعن إيران كمنافس لأمريكا ويظن فعلاً أن إيران حاملة مشعل “الموت لأمريكا” مع أن أفعالها كلها في خدمة أمريكا، فلماذا لم تحارب إيران أمريكا في العراق وقبله في أفغانستان وهما بجوارها؟ وهل إيران أقل قوة من العراق بل قل من المقاومة العراقية التي مرغت أنف أمريكا في التراب؟ فإيران “الأقوال والتصريحات” لا وجود لها على أرض “المواقف والأفعال”، فحلفاء إيران الثوريون وأحد أهم عناصر محورها الإقليمي هو العراق، وحكامه عملاء حتى النخاع لأمريكا، وأمريكا تدخل جنودها في أي وقت تشاء إلى العراق وتقاتل “الإرهاب”، وكذلك يفعل الإيرانيون في العراق عبر قواتهم التي يسمونها “مستشارين عسكريين”، فهؤلاء المستشارون الإيرانيون والجنود الأمريكان منخرطون في نفس المعركة في العراق وكذلك في سوريا.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عصام البخاري