دارفور على سندان التمزيق
الخبر:
نشرت معظم صحف الخرطوم الصادرة يوم السبت 2016/4/2م تأكيد الرئيس السوداني عمر البشير، خلال مخاطبته حشداً جماهيرياً يوم الجمعة 2016/4/1م في مدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور، أن تحديد بقاء دارفور بولايتها الراهنة أو جمعها في إقليم واحد أمر متروك لاستفتاء دارفور الإداري، وأعلن التزام حكومته بما يقرره الناس دون فرض رأي أو موقف على أيّ شخص، وأشار البشير الذي ابتدر زيارة لولايات دارفور تستغرق خمسة أيام إلى نجاح مرحلة التسجيل للاستفتاء بنسبة مائة في المائة، لافتاً إلى أهمية مرحلة الاقتراع المقبلة.
التعليق:
بلا شك أن الحديث عن تقسيم إداري يتم داخل بلد معين يرجع فيه إلى الناس ويعد له استفتاء، وتنفق له الأموال، وتبذل فيه الجهود؛ يشير إلى إعطاء وضعية خاصة لهذا الإقليم؛ فالتقسيمات الإدارية داخل أي بلد محترم لا تحتاج إلى رأي الناس بقدر ما تحتاج إلى قرار سيادي سياسي بدافع معين أو لمصلحة معينة يحققها للبلاد من جراء هذا القرار.
فقد وضعت الخصوصية للجنوب في السابق؛ فتم الترويج إلى أن للجنوب خصوصية الدين والعرق، فاستخدم هذا الزعم لتهيئة الجنوب للانفصال، وهو نفسه الطريق الذي تسير عليه الحكومة في إعطاء دارفور وضعاً خاصاً، يتبع بحكم ذاتي؛ الذي شهد التاريخ أن الحكم الذاتي في العادة يؤدي إلى تقرير المصير، ومن ثم إلى سوء عاقبة الانفصال، التي يجب ألا تُدفن الرؤوس ولا يُغض الطرف عنها، ولنا في الجنوب شاهد ومثال.
لماذا جُعل لأهل دارفور خصوصية في تقسيم إداري الأصل أن تقوم به أيُّ دولة محترمة بشكل طبيعي داخل أرضها؛ حسب تبني الدولة وحسب رؤيتها لرعاية شؤون رعاياها، فلماذا تستفتي الدولة جزءاً من رعاياها ليقرروا الوضع الإداري الذي يريدون؟!
إن مسألة الخصوصية لفئة معينة داخل بلد معين، بلا شك تقود عاجلاً أو آجلاً للحكم الذاتي الذي هو وميض النار التي يتبعها الضرام، فمنذ أن ظهرت فكرة حق تقرير المصير في خطاب النقاط الأربع عشرة التي قدمها الرئيس الأمريكي ودرو ولسون 1918م، لفصل شعوب البلقان عن جسم الدولة الإسلامية، لم تسلم أيُّ منطقة طبق عليها هذا المفهوم من الانفصال.
وكل منطقة أو ولاية أو إقليم داخل دولة وصف سكانه بأنهم شعب دون بقية سكان البلد، أو وضعت له خصوصية كان ذلك بمثابة التهيئة للانفصال.
والتاريخ يتحدث؛ فأين السودان من مصر؟ وأين تيمور الشرقية من إندونيسيا؟ وأين أريتريا من إثيوبيا؟ بل قل أين جنوب السودان الآن؟ ..إلخ
فالفيدرالية أو الحكم الذاتي فكرتان خطيرتان يعدان من خناجر التقسيم والتمزيق التي يستخدمها المستعمرون لتهيئة بلاد المسلمين لمزيد من التشرذم والتمزق والإضعاف!
هذا إذا استشهدنا بتصريحات آفِي دِيختر مدير الأمن الداخلي لكيان يهود المغتصِب في 4 أيلول/ سبتمبر 2008م عن دارفور حيث قال في محاضرته المشهورة عن السودان (… السودان بموارده ومساحته الشاسعة وعدد سكانه يمكن أن يصبح دولة إقليمية منافسة لمصر والعراق والسعودية… كان لا بد أن نعمل على إضعاف السودان وانتزاع المبادرة منه لبناء دولة قوية موحدة وهذا ضرورة لدعم وتقوية الأمن القومي الإسرائيلي… أقدمنا على إنتاج وتصعيد أزمة دارفور لمنع السودان من إيجاد الوقت لتعظيم القدرات… استراتيجيتنا التي ترجمت على أرض الجنوب سابقاً وفي غربه حالياً نجحت في تغيير الأوضاع في السودان نحو التأزم والانقسام… الصراعات الحالية في السودان ستنتهي عاجلاً أو آجلاً بتقسيم السودان إلى عدة كيانات ودول… إن قدراً مهماً وكبيراً من أهدافنا في السودان قد تحقق على الأقل في الجنوب، وهذه الأهداف تكتسب الآن فرص التحقق في دارفور) انتهى.
ويؤكد ما سبق أعلاه تصريحات إبراهيم محمود حامد مستشار البشير ونائب رئيس الحزب الحاكم يوم الاثنين 2016/3/28م خلال مخاطبته لقاء لقيادات حزبه في نادي الشرطة ببري حيث قال (…إن هناك 520 منظمة يهودية تعمل على فصل دارفور تحت اسم (أنقذوا دارفور)!، وزعم أن الاستفتاء الإداري في دارفور جهاد، وأشار أن الرئيس طلب أن تكون نسبة التصويت في الاستفتاء 80% فما فوق)!.
وقد ذكر موقع العربي الجديد في 2015/5/31م، أن ندوة عقدت في هولندا نظمها مركز الدراسات الأفريقية تحدث فيها أحد قيادي حركة تحرير السودان بعنوان (نعم لحق تقرير مصير دارفور)!.
فإذن يجري العمل الخبيث على خطى حثيثة لتنفيذ سيناريو الجنوب على دارفور (لا سمح الله )، وهذا يلقي على أهل البلد المخلصين العاملين عبئاً ثقيلاً لكشف هذا المخطط، وبيان خطورته على السودان بخاصة، وعلى كافة بلاد المسلمين بعامة، وكما نرى الأمر ذاته في العراق، فإنَّه يتم الترويج له الآن في اليمن وليبيا على قاعدة فرق تسد.
يجب الوعي على مخططات المستعمرين وأعوانهم العاملة على تمزيق بلاد المسلمين، وفضحها، وكشفها، وبيان خطورتها، واتخاذ الموقف الجدي الشرعي تجاهها ولمثل هذا فليعمل العاملون.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد جامع (أبو أيمن) – الخرطوم