وثائق بنما
(مترجم)
إن تسريب الوثائق السرية لشركة الخدمات القانونية في بنما، موساك فونسيكا، في 3 نيسان/أبريل 2016 والذي بات يُعرف باسم “وثائق بنما” يكشف عن فساد لم يسبق له مثيل في النظام الرأسمالي في جميع أنحاء العالم. ويجب أن يكون معلومًا أن أعلى مستوى للفساد كان عند الغرب نفسه.
تغطي هذه الوثائق فترة تمتد إلى أربعة عقود، وتحتوي على معلومات تفصيلية عن آلاف المؤسسات الائتمانية والشركات الأجنبية التي تأسست لتهريب ثروات المئات من الأشخاص، بما فيهم المسؤولون والسياسيون ورجال الأعمال وغيرهم، من خلال “ملاذات ضريبية خارجية” تُقدم رقابة قانونية وضريبية محدودة وتوفر خدمة إخفاء الاستثمارات وحتى الملكيات. وفي كثير من الحالات تمت الاستعانة بالأقارب والمقربين من الشخصيات المشهورة كقنوات لتهريب الأموال، مثل ابن عم بشار أسد، وأبناء نواز شريف، وصِهْر شي جين بينغ، والموسيقي صديق فلاديمير بوتين لفترة طويلة. وقد عمل نحو أربعمائة صحفي يشتغلون في أكثر من 100 مؤسسة إعلامية خلال العام الماضي لتحليل أكثر من 11 مليون وثيقة صدرت عن شركة موساك فونسيكا.
فالفساد أمر لا مفر منه في الرأسمالية، ويشجع المبدأ الرأسمالي تغليب المصالح الذاتية المادية فوق أي اعتبار آخر.
وبالطبع، فقد قام السياسيون والمسؤولون الحكوميون بإضفاء الصفة القانونية على العديد من أشكال تراكم الثروة، لذلك فالناس يعتقدون عادة أن مثل هذه الممارسات هي ممارسات صحيحة. ولكن على الرغم من هذا، فإن إدمان الشهوات المادية التي اعتاد عليها السياسيون الرأسماليون والمسؤولون الحكوميون من شأنه أن يدفعهم دائمًا إلى تجاوز القيود القانونية الضعيفة التي ما زال يُعمل بها حتى اليوم.
فالفساد في الرأسمالية ليس مجرد نتيجة سلبية للمصالح المادية الذاتية التي يتحلى بها السياسيون غير الأخلاقيين. وإنما هي جزء لا يتجزأ من المبدأ الرأسمالي الذي يسمح للمصالح الخاصة بالسيطرة على الحكومات الديمقراطية. والديمقراطية بحسب مفهومها النظري لا يمكن تطبيقها. فلا يمكن للتجمعات البشرية الكبيرة أن تقوم بشكل جماعي بتشريع شامل، تمامًا مثل أنهم لا يستطيعون جماعيًا أن يقوموا بتصميم أنظمة هندسية معقدة. لذلك فإن واقع الديمقراطيات الغربية هو حكم الأقلية، وتسيطر فيها مصالح النخب الحاكمة عليها وتديرها، وهم يتعاونون مع بعضهم بعضاً أحيانًا ويتنافسون فيما بينهم أحيانًا أخرى. ونتيجة لذلك، يستشري الفساد في الديمقراطيات الغربية بمعدلات أكبر بكثير من أي مكان آخر في العالم؛ لكن الديمقراطيات الغربية أبرع بشكل كبير في إخفاء وإدارة وإضفاء الناحية القانونية على فسادهم، ولذلك عادة ما يتم وَصْف الدول غير الغربية بالفساد.
إن تسريب وثائق بنما يأتي ضمن هذا السياق. فمعظم الأسماء التي وردت فيها، على الأقل في البداية، هي لشخصيات خارج المنظومة الغربية، فعلى سبيل المثال بوتين وشي جين بينغ. ولكن كما تقول افتتاحية صحيفة جلوبال تايمز الصينية: “لقد سيطرت وسائل الإعلام الغربية على تفسير الأمور في كل مرة يحدث فيها تسريب لوثيقة …”، وقد أشارت الصحيفة أيضًا إلى أن “المعلومات السلبية بالنسبة لأمريكا دائمًا ما تكون في حدها الأدنى، بينما يتعرض القادة غير الغربيين، مثل بوتين، إلى تلفيق إضافي”. ومن المثير للاهتمام، على سبيل المثال، أنه من بين 11.5 مليون وثيقة مسربة، نُشر بشكل علني في البداية 149 وثيقة فقط. وسيواصل الغرب فرض سيطرته بعناية على الوثائق التي ستُنشر في المستقبل من أجل دعم أهدافهم السياسية، وفي الوقت نفسه يحدون من الأضرار التي ستلحق بهم.
إن مما لا شك فيه أنّ حكام المسلمين الحاليين فاسدون، فالثروة غير المشروعة هي أداة أساسية يقوم من خلالها أسيادهم الغربيون بالتحكم بهؤلاء العملاء. ولكنه سيكون خطأً كبيرًا أن نظن أنّ الغرب نفسه لم ينخرط في الفساد بشكل كبير جدًا في بلاده. فالنخب وأصحاب النفوذ في الغرب نفسه ليس لديهم أي سبب ليذهبوا بعيدًا إلى بنما لإخفاء ثرواتهم غير المشروعة؛ فهناك مؤسسات ضخمة جدًا تتوفر لهم في بلادهم لحماية ثرواتهم الهائلة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
فائق نجاح