الحديث الشريف
التقوى والأخلاق
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عن أبي جندب بن جنادة وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رواه الترمذي.
شرح الحديث:
«اتَّقِ اللَّهَ» أمر من التقوى، وهي امتثال أوامره تعالى واجتناب نواهيه، وهذا على حد قوله تعالى: (اتَّقُوا اللَّهَ) أي غضبه، وهو أعظم ما يُتقى، لما ينشأ عنه من العقاب الدنيوي والآخروي.
«حَيْثُمَا كُنْتَ»: أي في أي مكان كنت، حيث يراك الناس وحيث لا يرونك، اكتفاء بنظره عز وجل، قال سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)، ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: “أوصيك بتقوى الله في سرائرك وعلانيتك“.
«وأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا» وجه مناسبتها لما قبلها أن العبد مأمور بالتقوى في كل حال، ولما كان ربما يفرط إما بترك بعض المأمورات أو فعل بعض المنهيات، وذلك لا ينافي وصف التقوى كما دل عليه نظم سياق (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) إلى أن قال في وصفهم: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً …)، أمره بما يمحو به ما فرط فيه، وهذا الحديث على حد (إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)، وظاهر قوله: «تَمْحُهَا» وقوله تعالى: (يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ) أن الحسنة تمسح السيئة من الصحف، وقيل عبر به عن ترك المؤاخذة بها، فهي موجودة فيها بلا محو إلى يوم القيامة.
«وخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» جماعة، ينحصر كما ذكر عن الترمذي وغيره في طلاقة الوجه لهم، وكف الأذى عنهم، وبذل المعروف إليهم.
التعليق:
إن هذا الحديث العظيم الغني بالإرشادات العظيمة، يتطرق لثلاثة أمور؛ التقوى، والحسنة تمحو السيئة، والخلق الحسن.
أما التقوى فقد حرص الإسلام على الإرشاد لها في كل موضوع، حيث إن الإسلام لم يترك كبيرة ولا صغيرة إلا ووضع لها حكمًا، فإن كانت أعمالًا يرغب الإنسان في القيام بها فقد ضبطها الشرع بشكل ينسجم مع طبائع الإنسان ومكوناته الخلقية، وأما فيما يتعلق بالأشياء، فقد سخّرها الله للإنسان، ومنع منها بعضًا لحكمته عز وجل، لهذا كانت أحكام الإسلام حدودًا واضحة لكل شيء في الدنيا، وأرشدنا لفعل الصواب وسلوك الطريق المستقيم، وهذا هو عين التقوى، أي الانضباط على ما جاء به الإسلام الذي أُنزل على رسولنا الكريم، محمد صلى الله عليه وسلم، من عند الخالق الباري. فمن كان يريد التقرب من الله عز وجل فما عليه سوى التزام أوامره، واجتناب نواهيه سبحانه، وهذا ما يحب الله من عباده الصالحين. والأمر الآخر، هو الثواب أو الإثم المترتب عن الفعل، وقد رتّب الله عن التقوى ثوابًا عظيمًا، من يتقيه يدخله الجنة، الجائزة الكبرى، ومن لا يتقيه، فجزاؤه النار، وبئس المصير.
الأمر الثاني الذي أرشد إليه الحديث الشريف هو أن الله يريد الخير للإنسان، ولا يريد أن يعذّبه، والله العدل، إن أخطأ المرء لا ينتهي أمره، ولا يخسر وينال الغضب الذي لا يزول، بل يحسب للإنسان عمله الصالح والسيئ، وإن أتبع المرء سيئته بعمل صالح، فإن سيئته تُمحى، فالله سبحانه وتعالى جعل لنا مجالًا للرجوع عن الخطأ، بالاستغفار والتوبة، وبالعمل الصالح، الذي ننال عليه الأجر العظيم، فيُؤخذ من هذا الأجر لتُمحى بها السيئة. ومع هذا فقد فصل الإسلام بين حق الله وحقوق العباد، فإذا كان الذنب متعلقًا بحق آدمي، فعليه أن يعيد له هذا الحق أو يحصل على مسامحته، حتى يغفر الله له ويقبل توبته.
الأمر الأخير الذي أشار إليه الحديث الشريف هو مخالقة الناس بخلق حسن، وهذا مما يدعو إلى الصفح والمسامحة، ويرشد إلى الصراط المستقيم.
إنه مما نحن في أمس الحاجة إليه هو أن نتقي الله في كل أعمالنا، ونسير على الخط المستقيم الذي رسمه الله لنا في شرعه في هذه الحياة، حتى نستحق رضا الله سبحانه وتعالى. وعلينا أن نحرص كل الحرص على التسابق لفعل الخير، وتطبيق شرع الله، ليس فقط في الأخلاق، بل كاملًا، وأن نكون إخوة في الله بكل معنى الكلمة.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه للإذاعة: د. ماهر صالح