بسم الله الرحمن الرحيم
تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
الحلقة الثانية والثلاثون
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: موضوع حلقتنا لهذا اليوم عن إجابة الدعاء وعن الذكر والاستغفار.
إن الله سبحانه يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، ويجيب المضطر إذا دعاه قال تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}.
(غافر60) وقال سبحانه: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}. وقال: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء}. (النمل62). غير أن الإجابة لها حقيقة شرعية بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه أحمد، والبخاري في الأدب المفرد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبيصلى الله عليه وسلم قال: “ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل الله له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: يا رسول الله إذا نكثر قال: الله أكثر”.
وروى مسلم عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل”. قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: “يقول قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء”. وهذا يعني أن إجابة الدعاء ليس بالضرورة تحقيقها في الدنيا، بل قد تكون كذلك أو يدخرها له الله في الآخرة، وهناك الأجر العظيم والثواب الكبير، أو يصرف عنه من السوء مثلها. فنحن ندعو الله سبحانه فإن كنا صادقين مخلصين طائعين نكون موقنين عندها بالإجابة بالمعنى الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك فقد أمرنا الله سبحانه بالذكر، قال تعالى: {فاذكروني أذكركم}. (البقرة) وقال: {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين}. (الأعراف205)وقال: {واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}. (الجمعة45) وقال: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا}.(الأحزاب42)
وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يقول الله أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة”. وعن أبي هريرة عند مسلم قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جمدان فقال: “سيروا هذا جمدان سبق المفردون”. قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: “الذاكرون الله كثيرا والذاكرات”. وذكر القرافي في الذخيرة: وقال الحسن: الذكر ذكران: ذكر اللسان، فذلك حسن، وأفضل منه ذكر الله عند أمره ونهيه. وباب الأذكار المأثورة واسع فليرجع إليها في مظانها.
وأما الاستغفار فهو مندوب كذلك، قال تعالى: {والمستغفرين بالأسحار}. (آل عمران17). وقال: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما} (النساء110). وقال تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}. (الأنفال33). وقال: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}.(آل عمران135). وعن أبي هريرة عند مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا، لذهب الله تعالى بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله تعالى، فيغفر لهم”. وعن أنس عند الترمذي بإسناد حسن قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة”.
وعن أبي سعيد الخدري عند أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “قال إبليس: وعزتك، لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني”.
وعن عبد الله ابن بسر عند ابن ماجة بإسناد صحيح قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “طوبى لمن وجد في صحيفته استغفار كثير”. وعن أبي ذر من حديث طويل عند مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: “… يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم …”. فهلا التزمنا بهذه الأحكام؟ نأمل ونرجو ذلك! وما ذلك على الله بعزيز!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد احمد النادي