استقطاب الشباب المسلم من قبل المنظمات العالمية
يوم الأربعاء 20 نيسان/أبريل 2016، في بادرة هي الأولى من نوعها كرمت وزارة الخارجية الأمريكية 10 شبان متميزين من جميع أنحاء العالم بتسليمهم جائزة القيادات الصاعدة تكريما لجهودهم في بناء السلام المستدام والتغيير الاجتماعي في مجتمعاتهم، من بينهم التونسية أحلام النصراوي التي ستكون رئيسة جمعية القادة الشباب المبادرين، ومن فلسطين وأفغانستان وفرنسا وكينيا وجورجيا وبورما وإندونيسيا ومالطا والهندوراس.
عملت الجهات الأمريكية على التصيد لرغبات التغيير لدى الشباب في العالم بصفة عامة والشباب المسلم بصفة خاصة؛ إذ إنها أيقنت بعد سلسلة الانكسارات التي منيت بها في المنطقة أن الاعتماد على بعض الزعامات العربية التقليدية لم يعد يجدي نفعاً، لذلك توجهت لاستقطاب الشباب المسلم من قبل منظمات عالمية تستعمل أسلوب التضليل الذي هو من أخطر أساليب الغزو الاستعماري الثقافي، فنجدها تتوارى خلف مفاهيم ومصطلحات براقة مثل حقوق الإنسان وحرية الرأي وحرية المرأة، والحريات العامة، والديمقراطية، واحترام الرأي الآخر، والمساواة، والعدالة الاجتماعية لإخفاء أهدافها الحقيقية.
ومن أبرز هذه المنظمات نذكر منظمة “فريدم هاوس” أو بيت الحرية المعروفة بصلتها الوثيقة بالمخابرات الأمريكية، كما أن أبرز رؤسائها هم يهود صهاينة والممول الأول لها هو جورج سوروس الملياردير اليهودي عضو منظمة تنمية (إسرائيل)، وتقوم منظمة فريدم هاوس بإجراء بحوث ودعوات حول الديمقراطية، والحرية السياسية وحقوق الإنسان، وتعتمد في عملها على الناشطين العرب الذين يقومون بعمل تقارير ومقالات تسلط الضوء على سوء وديكتاتورية النظم في عالمهم، والتركيز على إظهار فساد الشرطة والجيش وأجهزة الدولة مما يظهر للمجتمع المدني أنها دول تعاني من صراعات وأزمات كثيرة فيحق للدول الأجنبية التدخل لحل تلك الأزمات!
من بين تفرعات فريدم هاوس منظمة جيل جديد، وبرنامجها تنظيمي تدريبي لصناعة جيل جديد من الشباب يواجه (الإرهاب) في العالم ويساعد في عملية السلام. ومن ضمن التدريبات التي يتلقاها النشطاء في هذا البرنامج تدريبات لتنمية المهارات الحربية واستخدام أسلحة قنص، والاسم الكامل للبرنامج هو جيل جديد من النشطاء لا يعادي أمريكا و(إسرائيل).
نجد أيضا منظمة موفمنتس؛ وهي منظمة مساعدة في كيفية استخدام التكنولوجيا وتوجيهها؛ فهي مسئولة عن توفير سبل التكنولوجيا والنصائح والاستراتيجيات اللازمة لتغيير الأنظمة ومواجهة التحديات في كل الدول العربية والأجنبية الداخلة في الأجندة الأمريكية، فهي التي وفرت للنشطاء سبل الدخول على الإنترنت أثناء قطع الاتصالات في مصر.
أيضا من البرامج التي تدعمها أمريكا مركز «هوية» في الأردن الذي قام بتدريب 150 شاباً وشابةً على برامج عديدة أبرزها ثقافة الاحتجاج السلمي، والبحث عن طرق سلمية ووسائل حضارية يستخدمها الشباب كأساليب وأدوات للضغط لتحقيق أهدافهم. وعملهم لم يقتصر فقط على الساحة الأردنية، بل تعدَّاهَا إلى الإقليم والمنطقة العربية، وصولاً إلى مصر ولبنان والمغرب والجزائر، كما أن المركز لديه برنامج أكاديمية القيادات الشابة الذي يهدف إلى تزويد الشباب بالمعلومات والأدوات حتى يصبحوا قيادات سياسية مستقبلاً في مجتمعهم، فيتدرب الشباب على المهارات التي تمكِّنُهم من التواصل بمحيطهم وتواصلهم مع المجموعات سواء عبر الإعلام أو من خلال الحوار أو إدارة الفِرَق.
وفي لبنان هناك 376 طالبة وطالباً يستفيدون من منح دراسية تقدّمها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. هذه المنح مشروطة بجملة واسعة من البنود والأحكام التعاقدية المطّاطة، وفي مقدمها عدم المشاركة بأي نشاط أو عمل أو موقف يمكن أن تعتبره الوكالة والسفارة الأمريكية في لبنان داعماً للإرهاب، ولكن ما هو مفهوم الإرهاب في عرف الوكالة؟ هو باختصار كل إطار لا يخدم المصالح والسياسات الأمريكية والهدف الحقيقي من المنح الدراسية هو استقطاب أهم الطلاب المتفوقين والمبدعين واستمالتهم نحو الأهداف والأجندات الأمريكية على المدى الطويل.
كما أن المؤسسة الأمريكية تعتمد على الجامعة اللبنانية الأمريكية لتنفيذ برنامج “تعزيز القيادة الأمريكية لنظام الأمم المتحدة” هدفه كما تُعلن نشر ثقافة السلام بين طلاب المدارس، وتصنيع القيادات المستقبلية وتدريبها على الموضوعية وفن التواصل وحل النزاعات بالطرق السلمية.
نذكر أيضا أكاديمية التغيير ومقرها حالياً في قطر التي تروج لأعمال الأمريكي جين شارب المتهم بأنه عميل للمخابرات المركزية الأمريكية كما معروف عنه أنه يموله اليهودي بيتر أكيرمان.
ومنظمة سايبر ديسيدنتس أو صناعة المعارضة ويديرها ديفيد كيز الصهيوني ويشرف على برنامجها برنارد لويس صاحب مخطط تقسيم العالم العربي، وهذا البرنامج هو لرعاية ودعم المدونين العرب الذين يعملون على تقارير عن عيوب نظم الدول العاملين عليها، وبالتالي يتم إبراز عيوب الأنظمة فيتم تصنيف الدول كمناطق نزاع حسب درجات الفساد وأنها دول غير حرة، فيتم وضع السياسات والدراسات عن طريق منظمات الأزمات الدولية لوضع حلول لتلك النزاعات إما حلول عسكرية أو بحسب ما ترى تلك المنظمات كما حدث مسبقاً في العراق وأفغانستان ولبنان والصومال والآن يحدث في ليبيا.
هذه السياسة المتبعة أو ما تسمى بالقوة الناعمة لم تقتصر على أمريكا بل نسجت على منوالها باقي الدول الاستعمارية لاستهداف الشباب المسلم، ونذكر على سبيل المثال مؤسسة فريدرش إيبرت الألمانية التي أحدثت برامج تدريب على الساحة الأردنية والإقليمية، وهو برنامج «القادة الشباب» بهدف تعزيز استعمال شبكات التواصل مثل فيسبوك وتويتر للتواصل والتنظيم وإعدادهم للانخراط في السياسة والمجتمع المدني.
كل هذا ما هو إلا جزء بسيط جداً مختصر للغاية عن المنظمات العاملة على استقطاب الشباب المسلم، وما أكثر المنظمات التي تحتويها كل منظمة والتدريبات المتفرعة من كل مؤسسة ومن كل ممول ومن كل رجل سياسة في أمريكا وغيرها، تعود جميعا لمنبع ومصدر واحد رجاله وتمويله يهود حتى النخاع، وغايتهم كلهم التفرقة بين الشعوب المسلمة وخلق صراعات في المنطقة وبسط نفوذهم فيها وزعزعة ثوابت المجتمع والعمل على تدمير ثقافته الإسلامية وإحلالها بثقافات مستحدثة، وتشويه الإسلام في داخله وإحلاله بإسلام ديمقراطي، قرآني، من خلال توصيل جماعات مسلمة بالاسم للسلطة تعمل على تحقيق مشروع الإسلام الديمقراطي وتدعم تغلغل منظمات المجتمع المدني ذات الفكر الديمقراطي القرآني والعلماني في بنيان المجتمع في بلاد المسلمين ومحو فكرة معاداة الصهيونية حتى يتم خلق مملكة صهيون في غفلة وانهيار العالم الإسلامي.
لكن، لقد فات تلك المنظمات التي تدعي الحقوقية أن الإسلام هو المبدأ الوحيد الذي يضمن للإنسانية جمعاء حقوقها الأساسية في الحياة ويصون كرامتها ويمكنها من حق المشاركة السياسية والاقتصادية التي ما زالت أمريكا والمجتمعات الغربية قاصرة في الوصول إليها.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
ندى الشريف – تونس
2016_04_23_Art_Attracting_Muslim_youth_by_international_organizations_AR_OK.pdf