مع الحديث الشريف
الفتن
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا شَقِيقٌ سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: “بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ عُمَرَ إِذْ قَالَ أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْفِتْنَةِ؟ قَالَ: فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَر، قَالَ: لَيْسَ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ، وَلَكِنْ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ، قَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا، قَالَ عُمَرُ: أَيُكْسَرُ الْبَابُ أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ: بَلْ يُكْسَرُ، قَالَ عُمَرُ: إِذًا لَا يُغْلَقَ أَبَدًا؟ قُلْتُ أَجَلْ. قُلْنَا لِحُذَيْفَةَ أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ الْبَابَ؟ قَالَ نَعَمْ، كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ دُونَ غَدٍ لَيْلَةً، وَذَلِكَ أَنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ، فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ مَنْ الْبَابُ، فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: مَنْ الْبَابُ؟ قَالَ عُمَرُ”.
التعليق:
إن هذه الأمة الكريمة أمة الإسلام، التي حكمها بعض الصحابة الكرام، الذين اتبعوا سنة النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام، لم تتفشى فيها سابقًا الفتن، ولا حتى الخطأ الذي يصعب إصلاحه، لأن قادتها كانوا أعمدة للدين، ورموزًا للوقوف على الحق، وتطبيق الإسلام. وهذا الحديث يذكر نوعين من الفتن: الأولى: الفتن التي يُمتحن بها الإنسان، والآخر: الفتن التي تنشأ بزوال الراعي.
الفتنة الأولى تكون فيما يدعو الإنسان إلى البقاء، والتمسك بهذه الدنيا، كالأهل، والمال، والولد، والجار، فهي من مواطن الفتن التي تدفع المسلم إلى المعصية. فالمال يدفع الإنسان إلى تحصيله، لا لذاته، بل لما يجلب له من حياة كريمة. والأهل الذين يحيطون بالمرء، من الأقارب والأخوة، مما يدعو المرء للبقاء، لأنهم بظنه باقون، ولما يوفّرونه من جو الأمن والأمان، ويحفظونه من الزلل والخطأ إن صلحوا. أما الولد، فهو قطعة من الإنسان، يمثل ضعفه وحاجته لغيره، فيخشى فقدانه، ويكون دافعه للتنازل عن أشياء غلب على ظنه أنها أخف في الميزان من الولد. أما الجار، فلا شك أنه محل تنبه عند الإنسان، حيث يجعله محاطًا بالناس، وقد يكون سلوكه نحوه شرًا أو خيرًا، والجار الحسن يساعد جاره ويصونه ويؤثره عليه.
أما الأمر الآخر الذي يشير إليه الحديث، فهو الباب الحصين الذي كان لهذه الأمة، متمثلًا بعمر بن الخطاب، حيث بعده كُسر الباب. أما ما سأل عنه عمر بن الخطاب، فقد ورد عن ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: “وَضَعَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَمْسَ فِتَنٍ، فَذَكَرَ الْأَرْبَعَةَ ثُمَّ فِتْنَةٌ تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ وَهِيَ الَّتِي يُصْبِحُ النَّاسُ فِيهَا كَالْبَهَائِمِ أَيْ لَا عُقُولَ لَهُمْ”
وهذا عينه ما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن يصبح الناس كالبهائم، لا عقول تسيّرهم، بل غرائزهم وحاجاتهم العضوية، حيث هي مراكز التنبه للإنسان الضعيف. لذا علينا أن نرتب قيمنا، ونحكم عقلنا، ونعمل بشرع الله، من أجل مرضاته سبحانه وتعالى، ونتقرب إليه بالفروض والنوافل، وخير الأعمال تطبيق شرع الله على النفس وعلى الناس أجمعين.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبة للاذاعة: د. ماهر صالح