ماذا بعد التفاعل الكبير مع مجزرة حلب؟
#حلب_تحترق، بالعربية وبكل اللغات، أثار الشباب المسلم على شبكات التواصل (على الإنترنت) هذا الوسم، بتفاعل كبير مظهرين غضباً وحزناً عارمين على ما جرى ويجري في حلب من سفك لدماء الأبرياء. حيث كانت القوات النظامية والروسية قد قصفت بغارات جوية مناطق سكنية في حلب، كمشفى القدس في المدينة.
بلغ المتفاعلون مع الحدث أعداداً غير مسبوقة، وصلت على تويتر وحده ل 500 ألف تغريدة. اللون الأحمر أيضاً انتشر مكان الصور الشخصية في كل من فيس بوك وتويتر كرمز للدماء المراقة في المدينة وتغريدات لا تحصى بين صور وفيديوهات.
هذه المجزرة المروعة التي حدثت عقب اتفاق هدنة بين واشنطن وموسكو، يبدو أن مدينة حلب كانت قيد الاستثناء منه. ليست الأولى في تاريخ ثورة الشام ولا الأخيرة، فالنظام الدولي الذي فوجئ بثورةٍ على أكثر الأنظمة قمعاً وإجراماً في المنطقة، ما زال يمد النظام المجرم بكل أسباب البقاء ليعيث في الشام فساداً وفي أهلها تنكيلاً وقتلاً وهو يأمن العقوبة ويتمادى في الوحشية.
لست أكتب ها هنا للحديث عن الوقائع السياسية الجارية في الشام، والتي ترسم خط سير هذه الثورة. فالأمر صار واضحاً، وقد احتجنا لكل تلك الدماء الزكية ليدرك شباب الأمة المتفاعلون من خلف الشاشات أن أوباما مسؤول عن هولوكست سوريا، وأن الأنظمة الحاكمة هي أنظمة إجرام، وأداة في يد المتحكم الفعلي المستفيد من دماء المسلمين المراقة: أمريكا.
الشباب المتفاعلون ها هنا، أظهروا صدق العقيدة الإسلامية، وقوة الرابطة التي تجمع أهل الشام بأهل مصر والباكستان والمغرب العربي، هذه الرابطة التي طالما حاول المستعمرون تمزيقها، ولطالما حاكوا المؤامرات لنستبدل بها الروابط القومية والوطنية النتنة. حلب تحترق وتحرق معها رموز الاستعمار وراياته لتبقى الراية الواحدة التي تجمع هذه الأمة على عقيدتها: “لا إله إلا الله، محمد رسول الله”.
لكن رباط الأخوة، قد طرأت عليه على مدى السنوات الخمس والتسعين بلا خلافة، عوامل جعلت الشباب المسلم عاجزاً عن نصرة أهل حلب، وجعلت ردة الفعل عندنا كشباب مسلم يقرأ في كتاب الله: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾، لا تتجاوز الدعاء لله بأن ينصرهم!
فالأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين قد ربَّت عبر سياساتها الممنهجة في مناهج التعليم، ووسائل الإعلام بأنواعها، والحكم القمعي الدكتاتوري، أجيالاً من الشباب على فقدان الثقة بقدرتهم على التغيير، والعجز والإحباط. وهي في الوقت ذاته قد كبَّلت الشباب المسلم في أماكن القوة، وحالت بينه وبين أداء الواجب الذي تفرضه عليه العقيدة الإسلامية بنصرة المستضعفين وإغاثة الملهوفين وإعانة إخوتهم المسلمين في أي مكان. فاقتصرت ردة الفعل في الانتصار لأهل حلب اليوم وأهل فلسطين والعراق من قبل على الدعاء والبكاء، ونسي الشباب المسلم أن نصر الله يُستجلب بالعمل مع الدعاء.
أهمية مواقع التواصل كأداة إعلامية فعالة في نقل الأحداث بحقيقتها، وتوصيل الحقيقة للأمة، واستثارة طاقاتها الكامنة فيها، لا تلغي الدور الأهم المتوجب على الشباب اليوم القيام به. فلا يمكن الاكتفاء بالدبابات والاستغناء عن السياسة الحربية التي ترسم خطة المواجهة وتحدد سير العمل لأجل النصر.
إن الأمر يأخذ منحى آخر عندما يظن البعض أن هذه القوة الإعلامية كافية لتحريك الشارع وتغيير الواقع فيفصلون بين وسائل التواصل (على الإنترنت) والتبليغ وبين السياسة التي جُعلت في الأصل لرعاية الشؤون وتغيير واقع العباد، ويحمّلون بذلك الوسائل أكثر مما تحتمل، وكيف نحمل الوسائل عبء التغيير ونعول عليها ونحن لا نحمل القطارات مسؤولية سياسة المواصلات؟
أجل فالشباب المسلم مطالبٌ اليوم بالعمل الجاد للتغيير الحقيقي مع الثلة الطلائعية الواعية التي تعمل لإزالة هذه الأنظمة العميلة الخانعة، فتُحفظ دماء المسلمين وأعراضهم وبلادهم بإمام جُنَّة يُقاتل من ورائه ويُتَّقى به كما قال رسول الله e عن الحاكم المسلم. بدولةِ خلافةٍ يكون ردُّ خليفتها على المساس بامرأة مسلمة واحدة، أو سفك دمِ امرئٍ مسلم جيشاً عرمرماً يُرى أولُّه ولا يُرى آخره، يهز الأرض هزاً تحت الظالمين.
فماذا يا شباب المسلمين ستقدمون لحلب وأخوات حلب بعد تغيير الصور الشخصية على فيسبوك، والحديث المُبكي عبر نقرات لوحات المفاتيح؟
ماذا ستقدمون لأمتكم غير الأدعية والدموع؟ وهل هذا عمل الشباب؟ ماذا أبقيتم للعجائز؟
فوالله إن همَّة شيوخ الشام تناطح السحاب، وأحدهم ينطق بلسان حالهم فيقول: “إنا ها هنا باقون نحن المجاهدون، قد بعنا أرواحنا لله وما بخلنا، بسم الله كبرنا وخضنا بحار الموت وما رجعنا.. فقولوا للعالم أجمع نحن لغير الله لن نركع، قولوا للعالم أن يسمع إن أيدينا لغير الله لن ترفع، قولوا للعالم أجمع نحن لغير محمد لن نتبع، قائدنا للأبد سيدنا محمد، وسنظل فيها صامدين نسف التراب ولا نهلع، نلتحف السماء ولا نجزع، إنا ها هنا باقون حتى راية الإسلام فى سماء الشام تلمع، أو أرواحنا لبارئها ترفع ولن نهلع ولن نجزع لغير الله لن نركع.”
فأية همة هذه؟ أيصح منا القعود بعد كلام هذا الشيخ؟
فهلموا إلى أمتكم فناصروها، لا تنتظروا المجازر لتحل بها الواحدة تلو الأخرى لتكلفوا أنفسكم عناء التعاطف وذرف الدموع!
هناك حكمة تقول: “لا تقتل الذباب بل جفف المستنقعات”.. وهكذا فوقف سيل هذه الدماء لن يكون إلا بالتغيير الجذري لاستئناف الحياة الإسلامية، بإقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة، يحيا فيها المسلمون حياةً كريمة، لا تراق فيها دماؤهم ولا تُحرق بلادهم.
{وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أختكم بيان جمال
2016_04_30_Art_What_after_the_interaction_with_the_massacre_in_Aleppo_AR_OK.pdf